محضة لا تعتلق بمادة ، ولا بها مادة فتحجزها عن الفعل (١) ، وإذا كان لا عائق فيها ، فوجود موجوداتها لا بزمان بل دفعة واحدة مثل وجود إشراق بسيط الهواء عن ضوء الشمس لا بزمان ، وإضاءة النار للبيت المظلم ، دفعة واحدة بلا زمان ، وكفعل الطبيعة في حركاتها (٢) تلك الأفعال المرتفعة عن الزمان فيما تخرجه إلى الوجود مثل الطلع الذي تخرجه بكمه وحباته وأعلاقه ، في بدء أمره من الجمّار معا على أصغر شيء هيئته من غير أن تقدم شيئا منه على شيء ممّا يتعلق بالكمال الأول ، وكالرمان الذي تخرجه من الجلنار بحباته وأقسام باطنه ، وقشوره على أصغر شيء صاغه (٣) ، وأرق شيء جسما من غير أن تخرج شيئا منه بعد شيء بل معا.
وقال أيضا : ثم يكون الإبداع الذي هو المبدع الأول ذات الفعل الصادر عن المتعالي سبحانه وكونه قائما بالفعل ، لا قائما بالقوة ، فيكون بين كونه قائما بالقوة ، وبين قيامه بالفعل ، إحاطته منه بذاته التي يتعلق بها وجود كل عقل منبعث تصور مدّة وزمان يلزم أن يكون وجود الكل بوجود الإبداع معا. وإذا كان ذلك كذلك فوجودها بوجوده معا ، لا بزمان.
فهذه الفصول ينقض بعضها بعضا كما ذكرنا إذ لم يكن لكل فصل معنى يثبته ويؤيد معناه ويشده ، ويبرهن إرادته. وإلّا لم يكن لقارئ كتابه محصول فائدة ينتفع بها. وهو نضر الله وجهه ما وضع كل فصل في موضعه إلّا لمعنى من المعاني ، وقد أوجب في هذين الفصلين الآخرين أن وجود عالم الإبداع معا.
__________________
(١) لأنها مجردة بصورها النورانية المحضة لا كثافة فيها ولا تجسيم ، ولا يحويها مكان ولا احتاج مبدعها إلى زمان.
(٢) حركاتها : محاكاتها ج وط.
(٣) صاغه : صيغة ط وم.