ونحن نبين حقيقة ذلك ، وحقيقة الفصل الأول. فحقيقته أن وجود عالم الإبداع ظهر دفعة واحدة عن المبدع الحق تعالى لا من شيء ، أي لا من مادة تقدمت عليه ؛ ولا بشيء ، أي لا بآلة استعان بها عليه ؛ ولا في شيء ، أي لا في مكان طبيعي فيكون لها مستقرا ؛ ولا مع شيء ، أي لا مع غيره يشاكله ويساويه ؛ ولا مثل شيء ، أي لا مثل معلوم كان له نظير فيه ؛ ولا لشيء ، أي لا لحاجة في زيادة ولا نقصان في ملكه ومشيئته ؛ فكان وجود الكل كما رمز به الحكماء ، ولوح به العلماء عنه تعالى بحرف الكاف والنون (١) ؛ فكان ما كان بلا معين ، ولا مشير ولا قرين ؛ لم يسبق أوله آخره ، ولا آخره أوله ، قدرة قدير ، لا يعجز عن الأمور والتقدير. فكان في حد واحد لا يفضل بعضه بعضا ، ولا يزيد بعضه على بعض ، بل متساوي ومتكافي (٢) لا تغير فيه ، ولا تزايل ، ولا تباين (٣) ، وذلك بميزان العدل ، وموجب الحكمة دفعة واحدة ، إشراقه وظهوره مثل حب التين الذي يلفه غشاوة ، وظهوره معا كما ذكر ذلك حميد الدين ، وضرب بحب الرمان والجمار من النخل المثل دفعة واحدة ، من غير تقدم لبعضه على بعض.
وقال في ذلك الشخص الفاضل صاحب الرسائل (٤) : إن الأمور أوجدت دفعة واحدة ، لأن الله تعالى قدر أمر خلقه لما بدا بالقوة في دفعة واحدة ،
__________________
(١) في العرفان الإسماعيلي «كن» هي الكلمة القدسية التي أبدع الله تعالى فيها كافة الحدود وقالوا إن الكاف منها دليلا على السابق والنون إشارة إلى تاليه ، أي إلى التالي. ويقال لهما الأصلان العلويان يقابلهما في عالم الدين الناطق والأساس.
(٢) متساوي ومتكافي : مساومة كاف ج وط.
(٣) لأنه هو التمام ، وهو التام على الحقيقة ، ويستحق أن يكون تاما لامتناع الوجود من نوع وجوده ، فإن الشيء التام هو ما لا يوجد له خارجا عن مثل في نوعيته. لأنه سرمدي الذات يستحق اسم الواحدية. والتباين : التفاوت لأن التفاوت يلزم النقصان بالذوات الطبيعية التي تظهر عند إضافة بعضها إلى بعض.
(٤) انظر رسائل إخوان الصفا (الرسالة الرابعة في العقل والمعقول).