درجة الكمال الثاني ، فتصبح موجودة بعد أن كانت معدومة وباقية بعد أن كانت فانية ، وحسية بعد أن كانت ميتة ، ومحضة بعد أن كانت مشوبة.
والذي أوردناه في كتابنا هذا هو من قبيل ما يفيدها التصوير بنقوش عالم الإبداع وحقائق الأمور في وجود ذاتها ، ويصلها بما يدوم بدوامه ، ويعطيها الضياء العقلي والنور الإلهي ، ويحرسها من الاستحالة والتغاير بارتفاعها عن سلطان الطبيعة واكتسابها بصورة الملائكة ، ويجري فيها بتصورها إياه وإحاطتها به من القيام بالفعل ونيل الأزل ، والسعادة القصوى والبركة الأولى ، ما جرى في مبادي الموجودات الإلهية.
إلى قوله : والآخر الإمام الجامع للحدود ، والقائمين بحفظ الشريعة وبسط معالمها ونشر أعلامها ، والدعوة إلى العلم والعمل بها الذين بمكانهم وتعليمهم وجود الإنسان إنسانا ، الجارين من كمال نفس الإنسان بتأثيرهم فيها تعليما وهداية ، وبلوغها بها درجة الكمال ، ومنزلة العقول مجرى الملائكة الموكلين (١) بالعالم القائمين بالفعل ، وذلك مثل الإنسان في وجوده فإنّه أولا حين يوجد حياة ذات قدرة وهي كمال أول يسمى نفسا لكونها قائمة بالقوة وقائمة لقبول الكمال الثاني ، فلا تزال تقبل وتتعلم وتصطاد المعارف وتعمل حتى تنال درجة العقل فحينئذ لا تستحق أن يسمى بارتقائها إلى درجة الكمال سيما أنفس النطقاء التي لا تزال تنتهي بها الحال «بعد الحال (٢)» إلى أن يشيع فيها نور الوحدة بإحاطتها بالذوات السابقة عليها ، واتصالها بها اتصالا كليا فيحصل لها الكمال ، فصار كمال ما كان متأخرا في الوجود في معرفة ما سبق عليه في الوجود ، واتصاله كالأنفس التي كمالها في الإحاطة بما سبق عليها في الوجود أجمع.
__________________
(١) الموكلين : المؤكلين في ط.
(٢) بعد الحال : سقطت في ج.