قال سيدنا المؤيد نضر الله وجهه : وكما ينتقل المولود الجسماني من السلالة إلى النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى العظام إلى اللحم ، ثم النشأة الآخرة ؛ فكذلك تنتقل اللطائف العقلية والقوى الروحانية درجات ومراحل حتى تكمل صورتها وتشاكل صورة أبويها (١) وأصلها وهما العقل والنفس ، فإذا أشبهتهما وشاكلتهما بالغذاء الواصل إليها عنهما على لسان الرسول والوصي والإمام في كل عصر وزمان ، قدرت على اللحوق بعالمها ، والبلوغ إلى الموضع الذي بدأت منه فتأبدت في أفق الوحدة ، وقدرت على كل خير ونعمة ، وعلمت جميع ما في العالمين ، وأدركت خير الدارين : ومنازل ارتقائها في سبع قوى : أولها القوى المعدنية ، والنباتية ، والحيوانية ، والأجسام البشرية ، والجن ، والملائكة ، والإنس بالفعل ؛ وهم أرباب الثواب المشاكلون للأصلين اللذين ظهروا عنهما ، فكانت موادهم منهما ، ففي أصل الخلقة ونشوء الفطرة أن الإنسان لا بد له في آخر أمره وكمال صورته ، أن يصير ملكا ؛ وكما انتقلت صورة الجسم إلى أن كملت وأشبهت أبويها وصلحت للاستخدام ، وقدرت على التصرف في دار الدنيا ، وصورتها غير عالمة ، ولا حية ، ولا عارفة ؛ وإنّما قدرها الله تعالى ودبرها بمواد هذه الآلات التي هي الأفلاك العالية ، والكواكب المضيئة ، حالا بعد حال ، هكذا تنتقل (٢) صورة النفس الناطقة إلى أن تكمل وتشبه أبويها وتصلح وتقدر على التصرف في الدار الآخرة ، وهي غير عالمة بما يصلح لها ، يقدرها الله تعالى ويدبرها بمواد هذه الآلات التي تصلح لهذه الصورة الفاضلة الشريفة التي في طبعها وقوتها أن ترجع إلى صورة أبويها العالمين ، القادرين الفاضلين الحيين ، اللذين هما أصل جميع المخلوقات الجسمانية ، والجرمانيات النفسانية الروحانية العقلية.
__________________
(١) أبويها : أبوابها في ط.
(٢) تنتقل : انتقل في ط.