صلىاللهعليهوسلم في ذلك قولا يدل على معنى حقيقة التوحيد بقوله : إن الله موحّد ، والمؤمن أيضا موحّد ، وذلك أن الله لمّا وجد عنه الواحد الفرد مبدأ الأعداد ، وأصل الآحاد والأفراد ، وكان بذلك هو الفاعل للواحد الموجد له أولا ، أصلا لكل شيء ومبدأه ، فقد ثبت أنّه موحّد هذا الواحد وموجده ومبدعه ، لا من شيء (١). وأمّا توحيد المؤمن فهو معرفته لهذا الواحد الأول الفاضل الكامل الذي هو الوجود الباري ومبدعه ومخترعه ، وإنّه لا شيء يماثله ولا يشاكله ، بسبقه وشرفه بفعله ومعرفة (٢) ما انبعث عنه من الآحاد والأفراد من عالم الخلق وعالم الأمر ، وسلبه عن جميعهم الإلهية للمبدع الحق ، وتجريدهم عنها ، وتنزيهه (٣) الباري عن الأسماء والصفات ، وجميع الإشارات.
وقد قال العالم ع م في ذلك المعنى يحققه ويصححه بقوله : وأمّا معرفة التوحيد ، فإن حد الصفة والمعرفة هو لأول موجود عن المبدع الحق ، وأن المبدع الحق يتعالى عن الصفات ، ويتنزه (٤) عن الإشارات ، والكل عاجز عن صفته وتوهمه ، والإشارة إليه ، يتساوى في ذلك العجز آخر موجود
__________________
(١) لأنه كامل متجرد عن الاتحاد بالأجسام متعال عن ذلك علوا كبيرا ولا يكون له رتبة من نوع رتب الموجودات التي تم وجودها بإبداعه لها واختراعه إياها. إذ لو كان له مثل لكانا اثنين ، ولكانا من حيث كونهما اثنين يوجد في كل واحد منهما ما يباين به الآخر. وبه تقع الاثنينية فيكون لكل واحد منهما جزءان بهما وجود ذاتيهما أحدهما مشترك والآخر خاص ، فيجب بذلك ما يتقدم عليهما جميعا ويكون هو الذي أعطى كلا منهما ما اختص به وباين الآخر وهو بالإلهية أحرى. وهو متعال عن المراتب كلها وحدة وكثرة. وأما توحيد هذا الواحد وموجده ومبدعه لا من شيء فرد لامتناع وجود مثله : سقطت هذه الجملة من م وهي زيادة من النساخ.
(٢) معرفة : عرفان في ج.
(٣) أي نفي جميع الصفات عن غيب الغيوب.
(٤) ويتنزه : وتنير ط.