وأول موجود على جلالته ، فليس إلّا إثباته بالإقرار بأنّه المبدع المبدع الحق تعالى ، لا من جهة صفة تقع عليه ، إذ لا ند له ولا ضد سبحانه. وإنّما من آثار صنعه في المبدع بأنّه لا إله إلّا هو. فهذه معرفة التوحيد والخروج من التعطيل والتشبيه ، وكل قول في التوحيد غير هذا فهو خطأ يدخل في التشبيه أو في التعطيل ، أعاذنا الله عن ذلك برحمته.
وقال أيضا : اعلم أن محض التوحيد ، وحقيقة التجريد ، هو إثبات الواحد المحض ، وتنزيه (١) الفرد عن الحد ، ولا الحدود ، ولا أي الوجهين المذكورين في نفي صفات الخلق عن الخالق ، وإثبات ذلك كما تقدم القول والشرط. فتوحيده معرفة (٢) أسمائه ، وتجريده الاتصال بأوليائه ، فمن عرفهم ووحده من قبلهم ، نجا ، ومن جهلهم ولم يتصل بهم ضل وغوى.
وقال سيدنا المؤيد قس : الحمد لله مبدع الأحد كاملا ، ولذاته عاقلا ، وباختراعاته كافلا ، الكائن لكل مفعول فاعلا ، ولكل محمول حاملا ، لا يستند إلّا إلى هويته من سند (٣) ، ولا يقوم إلّا بعمد وحدانيته من عمد.
وقال في موضع ثان : وأشهد أن لا إله إلّا الذي أوجد الوجود فامتنع عن مشاكلته في كيفيته ، واستعبد الفرد المعبود ، فارتفع عن مماثلته في هويته. وقال في موضع ثان : «أشهد أن لا إله إلّا الذي لا يوصل
__________________
(١) وتنزيه : وتنزيهه في ط.
(٢) أي معرفة الحدود وقبول الفوائد التي تؤخذ عنهم عرفانيا.
(٣) الإسماعيلية ينفون الهويات واللاهويات عنه تعالى لأن الهوية المحضة التي تضاف إلى المبدع عن هو ولا هو ، إنما هي أيسية السابق من أيسية الابداع المجود به عليه ، يعني أن المبدع هو الذي عرفه السابق بأيسيته ، فصارت معرفته لمن أبدعه هوية المبدع ، فلا هناك هوية موجودة ، ولا هوية معدومة ، سوى ما أظهر للسابق من أيسيته.