فمن أراد المدينة فليأتها من بابها. وقال سبحانه : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) (١) الآية (٢) ، إعلاما بأن ظهر الباب الذي من قبله العذاب هو ظاهر الشريعة المتمسك به أهل الشك والارتياب المتبرءين من التأويل ، فأوجب لأهل باطن الباب الثواب والرحمة ، وعلى أهل ظاهره العذاب والنقمة ، إذ كان باطن الباب هو ولاية مولانا (٣) أمير المؤمنين وطاعته والرضا والتسليم له والوفاء بعهده ، لقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (٤).
فهذا بيان ما شرحنا بأن المبدع الأول ضارب السور الذي له باب ، وكان أوصياء النطقاء عليهمالسلام أبوابه القائمين بالقوة ، الذين جعلهم تحت الاستتار إلّا بالإشارة إليهم ، إلى أن أظهره في آخر دوره على لسان خاتم أنبيائه يعني بالفعل ، وكانت إشارتهم رمزوا به مثل ما رمز آدم بتابوت السكينة ، ونوح بالسفينة ، وإبراهيم بالبيت ، وموسى بالعصا ، وعيسى بالصليب.
وقال محمد صلىاللهعليهوسلم : أنا مدينة العلم وعليّ بابها نصا جليا ، وكان لمحمد معجزات القرآن الذي أعجز الخلق أن يأتوا بسورة من مثله ، والقدرة التي هي وصيه صلوات الله عليه وآله. وذكر جعفر بن منصور عن مولانا الصادق صلىاللهعليهوسلم قال : إن أمير المؤمنين قال : إن لي منزلة لم تخطر على قلب بشر ، وحدّا لم يبلغ معرفته أحد. وإن الربوبية لتخطر على قلوب البشر فيعرفها أهل الحقائق منهم ، وأن الخلق بأجمعهم ليعرفون الله بإقرارهم بظاهر المعرفة ، وأهل الحقائق يعرفون الله بحقيقة معرفته ، ويوحدونه من وجه توحيده. وإن عليا (عليهالسلام) (٥) لم يعرفه أحد بالجملة من حقيقة
__________________
(١) سورة : ٢ / ١٨٩.
(٢) الآية : سقطت في ط.
(٣) ولاية مولانا : سقطت في ط.
(٤) سورة : ١٧ / ٣٤.
(٥) عليهالسلام : سقطت في ط.