يستوعبه أقسام ثلاثة بيّنها الله في كتابه بقوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) (١) :
فالقسم الأول هو رتبة الجد الذي هو كلام الله وحيا ، فذلك هو الساري من روح القدس بلا واسطة متصل بالمبعوث المختار في كل وقت وحين ، وهو أعلى الرتب. أو من وراء حجاب ، هو إدراك الأشياء بالفكرة الصافية بالأمثال المضروبة ، وهو رتبة الفتح. أو يرسل رسولا ، وهو الرتبة الثالثة ، رتبة الخيال ، يتمثل له بشرا سويّا عن القوة التي تواصله من دار القدس الذي هو الملك ، أما قولا بالسمع ، أو تشخيصا برؤية العين ، هو يراه دون غيره.
فقد بين حقيقة الوحي ، فجعل الأول هو الساري الذي أشرنا إليه بلا واسطة. والثاني من وراء الحجاب ما حدث بالفكرة الصافية ، ورأى (٢) أنّه يكون فيكون ، والثالث تشخص الملك للرسول ، إما بالنطق وإما برؤية العين ، يدركه ولا يراه سواه. فقد صح أن الأرواح الروحانية ، والأشخاص الملكوتية ، تتشخص (٣) وتتمثل ، وترى ويسمع نطقها ومخاطبتها على ما وصف من خديجة بنت خويلد ، وما أمرها به ورقة بن (٤) نوفل ، تخبر به رسول الله «صلى الله عليه (٥) وآله». وذلك أصح من كل صحيح.
__________________
ـ الذي يشهد منطقها عن ذاتها بوجوب آثار الصنعة فيها والتركيب بأن لها صانعا واحدا ، ثم إثبات الملائكة السابقين عليها في الوجود. وأما القسم الثالث الذي هو إرسال رسول يتمثل بشرا سويا ، ويعرف بالخيال هو الذي يكون شرحا وبيانا كله ، فلا يشارك المؤيد في رؤية ذلك غيره ، هو الروح الأمين المسمى بجبرائيل. وبالجملة فالمؤيد له من كل شيء يدركه بحسب حظه من المعارف الدينية وما يتعلق بها فلا يفوته شيء ولو حركة بعوضة فما فوقها.
(١) سورة ٤٢ / ٥١.
(٢) ورأى : سقطت في ج.
(٣) تتشخص : شخص في ج.
(٤) حد من الحدود الخمسة الذين كانوا في دور الناطق السادس.
(٥) صلى الله عليه : سقطت في ج.