قال ابن حمدون (١) في رسالته التي أضافها (٢) إلى منصور اليمن نضّر الله وجهه قال : والنفس الناطقة ترجع إلى عالمها وقد أحرزت جميع الصور من الأشياء كلها في ذاتها ، فلا تحتاج إلى حفظها إذا فارقت جميع الكدورات (٣) ، وصفت فتصير الحواس كحاسة واحدة بصورة لطيفة دراكة ، إذا كانت متولدة من فضائل العلم والحكمة بأفلاك عالم الربوبية ، وسنة الآلة الإلهية ، على ما سبق في بدء الكون في قدس عالم الوحدانية «الربوبية حين أخذ العهد على ذريته بالإقرار بالوحدانية» (٤). وهذا هو المعاد الفاضل ، والنعيم الكامل ، كما قال سيدنا المؤيد نضر الله وجهه : ما أشرف هذا الإنسان وأجله إذا عرف نفسه ، وعرف من أين بدأ ، وإلى أين يعود؟ أعاننا الله على بلوغ ذلك برحمته إن شاء الله تعالى.
فإن اعترض معترض وسأل عن كيفية صعود صورة المستفيد إلى صورة مفيده؟ أو إلى حد ممن يماثله؟ أو كان قد انتقل المفيد قبله؟ وكيف الاتصال بالحدود بعد مفارقة الأجسام ، حتى تكون مجاورة من جهة النفس ، ممازجة من قبل الصورة؟ قلنا : بأنّه قد ضرب لنا في ذلك مثل قريب. اعلم أن الإنسان بجملته لطيف وكثيف ، فلطيفه من الحياة الطبيعة التي هي الصورة المشار إليها بالخميرة الإبداعية ؛ وكثيفه من الأمهات والمواليد الهيولانية ، وإن الصورة الدينية العلمية الحقيقية (٥) ، هي الحياة المحيية لهذه الطبيعة ، لأنها من الروح القدسية ، وهي الجاذبة لها إلى المبدإ الأول ، والمحل الأفضل.
وحقيقة ذلك قول أصدق القائلين : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا
__________________
(١) لم نهتد إلى معرفة ابن حمدون هذا ، وقد يكون أحد دعاة الفرقة المستعلية.
(٢) أضافها : إضافه في ج وط.
(٣) أي الشوائب السيئة التي علقت فيها قبل استفادتها التأييد.
(٤) سقطت الجملة الموضوعة بين قوسين من ج وط.
(٥) الحقيقية : سقطت في ج وط.