والإنسان المصنوع على أن ذلك محدث مبدع ، مخالف لمبدعه ، الذي ليس له مثل ، ولا شبه ، لقوله تعالى : (إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (١). غير ذي ضد ، لأن الضد إنّما يضاده مناف ، ولا بذي ند ، لأن الند إنّما يناده مكاف ، دل على الهوية بخلقه وآثاره ، وعلى أسمائه بأنبيائه وأخياره ، فليس للعقل في نيل أسمائه مجال (٢) ، إذ تشبيه المبدع بمبدعاته محال. جل عن أن يحده تفكير ، أو يحيط به تقدير ، أو يكون له كفوا ونظيرا. ونشهد شهادة ، هي فاتحة الإحسان ، ومرضاة الرحمن ، أن لا إله إلّا الله الذي لا يبلغ مدحه قائل ، ولا ينقص خزائنه نائل.
وقال سيدنا حميد الدين (٣) : من حيث هو هو ، لا صفة له ولا نعت له ولا حد ولا شبه ، ولا قرين ، ولا وزير ، كما ينعت من كان في عالم الجسم والعقل ، وهويته ليست بهوية يمكن أن يكون لغيره من مبدعاته مشاركه فيها ، إذ لو أمكن أن يشاركه شيء فيها من بعض الجهات لوجب أن يكون ذلك الشيء مباينا له من الجهة التي لم تقع المشاركة فيها ، وإذا كان التباين موجودا لكل منهما بما يختص به ، أو لواحد منهما ، وجب أن يتقدمهما من خصصهما بما باين به كل منهما
__________________
(١) سورة ٢٣ / ٩١.
(٢) يشير إلى تنزيه الله تعالى عن التشبيه بكل ما هو صادر أو ناشئ عنه : فهو لا يعرف ، ولا يوصف ، ولا يسمى. إنه غيب الغيوب ، ومبدع المبدعات ، لا تدركه الأبصار ، ولا يمكن أن ينسب إليه لا اسم ولا صفة ، ولا وجود ولا عدم وجود. لأنه فوق الكائنات والموجودات ، وهو ليس بكائن ولا يكون ، لأنه موجد الكينونة وفعلها ذاته.
(٣) زاد في ط ج : قدس الله روحه في الرسالة الوضية في معالم الدين في الفصل الرابع من المقالة الأولى.