ما ، ومن قال إن أفعال العبادة ترضيه وتسخطه ، فقد أجرى عليه الحالات والاستحالات لاستحالته من السخط إلى الرضى عند وجوب الطاعة ، واستحالته من الرضى إلى السخط لوجوب المعصية ، وأفعال العباد راجعة عليهم. فالمبدع الحق متعالي عن ذلك لقوله تعالى : من أحسن](فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (١). فهذه سمات المحدثات ، ومبدعها متعال عنها ، لأن المبدع لا يشبه شيئا ممّا أحدث. ولو أشبه شيئا منها بوجه من الوجوه لكان محدثا لا محدثا ، غير أنّا علمنا الخلقة كونها بعد أن لم تكن فعلمنا أن لها مبدعا تعجز عقولنا عن دركه تعالى عمّا يقول الظالمون علوا كبيرا.
وقال مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام في الدرة اليتيمة (٢) : دليله آياته ، ووجوده إثباته ، ومعرفته توحيده ، وتوحيده تمييزه من خلقه وظهوره بالشيء إقباله عليه ، وثباته باتصاله إليه يتجلّى (٣) ولا يتحالى (٤) ويتدانى (٥) ولا يتدلى ، علوه من غير توقل ، ومجيئه من غير تنقل ، فمنك يعلمك ، وعنك يفهمك.
قال سيدنا حميد الدين : وهو تعالى من هو من العلاء في ذروة ، لا يجوز أن يكون غيره يسبقه ويتأول عليه فيكون هو دونه. فهو من فوق
__________________
(١) سورة ٤١ / ٤٦ ولكن المؤلف اقتبس (من أحسن) من آية أخرى فوضعها بدلا من مطلع الآية (من عمل صالحا).
(٢) الدرة اليتيمة : تنسب للإمام علي بن أبي طالب ع. م.
(٣) التجلي : الظهور بالحقيقة واليقين ، أو الكشف والمكاشفة العرفانية بالرؤية العقلية والسمع الحسي الباطني.
(٤) المقصود أنه لا يحل في شيء كما يعتقد أصحاب «مذهب الحلول».
(٥) يتدانى قربا بجوهره الحقيقي عند ما يتأمل المكاشف نفسه في روح الروح تصبح الروح موضوع تأمل روح الروح وتثبت روح الروح في محلها ومكانها.