ولذلك فإنّه (١) يقبل النور تارة ، والظلمة تارة ، وما وقعت الحركات التي ذكرنا إلّا من أصل حركتها ، وهو كرة الشمس كالقلب المتكون في الإنسان ، فحدث بسببها الحركات ممّا نبينه في موضعه.
فلمّا انعقدت الأرض كانت حجرا صلدة ، وجميع الكواكب والنجوم ، مترتبة وهمية ، لطائف بلا كثائف ، وكل برج وهمي لازم لموضعه. فلمّا انعقدت الأرض ودار بها الهواء وفلك النار ، وفيه دخان لطيف ، ممّا سلم من الانعقاد (٢) ولم يختلط بأي الأمهات ، دار الفلك الدورة الوهمية ، ولمّ بعد تلبس أجرامها ، فرمى كل كوكب ، وكل نجم ، بما دنا وعلا ، وكبر وصغر ، بشعاعه إلى الأرض من فوق وتحت ، وخلف وأمام. فلم تجد الأشعة منفذا ، فرجع كل شعاع إلى أصله ، وقد انجذب مع كل شعاع من ذلك الدخان مثله ، فتكون على كل كوكب وهمي صدفه (٣) الذي هو جرمه ، وذلك على سبيل ما نشاهده من انفعال النيازك التي تتساقط لأنها تنفعل كواكب ، وتردها الكواكب العالية إذا لم تقبلها ، إذ لم يكن لها مواضع.
فلما دار الفلك كان له حركتان ؛ فالمحيط يتحرك من المشرق والمغرب ، قلبة واحدة لما دونه في اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة ، وفلك البروج يتحرك من المغرب إلى المشرق ، ورمت حينئذ بأشعتها إلى الأرض ، فكان من ذلك من لطائفها ، ومما تجذب ، رطوبات الأرض وطبائعها ، النسيم المدبر بالأرض المعتدل الذي هو حياة (٤) الحيوان والنبات اعتداله ، ويسمى البحر السيال.
__________________
(١) فإنه : سقطت في ج.
(٢) أي لم يقتصر ولم يتلطف وينعقد ويتكون في مراتب الخلقة.
(٣) صدفه : صرفه في ج وط.
(٤) يريد الحياة المحيية الحسية بوساطة النسيم.