لكون دوران الفلك عليهما ، وحدث من أول الحركة في الطول الأول الحرارة ، ومنتهاها البرودة ، ومن أول العرض الرطوبة ومنتهاها اليبوسة ، ولزمها الأبعاد الثلاثة ؛ «واجتمعت الخطوط ، فكان لها وسط ، هو العمق الأول ، ويسمى الجو المنفهق» (١) ، واجتمعت فيه بالمزاج والممتزج الذي تكون في الوسط كالسحاب المتراكم ، وقد صارت طبائع مثمنة ، حرارة ويبوسة ، ورطوبة وبرودة ، ورطوبة وبرودة ، ويبوسة ؛ وانعقدت منه ما انعقدت ، فكانت الأرض المسماة (٢) بسجّين. وبقي ألطفها دائرا بها ، وهو النار والهواء والماء ، وكانت في أول هيئتها الصليب ، أعني الحركات ، وهي لها وسط باجتماعها إليه ، وهو المنعقد الذي انعقد الوسط الممتزج ، وتبقى منه ما لطف ، الذي هو النار والهواء ، وتزاوج بالمناسبة التي بينها هكذا. فتناسب هكذا النار والهواء بالحرارة ، وتناسب الهواء والماء في الرطوبة ، وتناسب الماء والأرض بالبرودة ، وتناسب الأرض والنار باليبوسة.
وبهذا دار الفلك على الوسط الذي هو عالم الكون والفساد ، وهو الصنف الذي لم يلتزم بأي الحدود (٣) ، وتمرد وعصى وتكبر ، فسفل في أسفل سافلين (٤) ، والجو المنفهق (٥) ، هو من ألطفه وأعذبه وأشفه ، وهو الحاوي لجميع الأفلاك ، وهو عين المكان (٦) وأسه.
__________________
(١) المنفهق : الواسع ، وربما أراد الجو المنفتق. وما بين قوسين سقط في ط.
(٢) الاسم مأخوذ من الآية «إن كتاب الفجار لفي سجين» ويرمز المؤلف من خلف هذه التسمية إلى أن الأرض هي السجن الدائم للنفس التواقة إلى الخلاص منه. السجين : الدائم.
(٣) يعني الحدود التي أوجبها ميزان الديانة ومعيار الصنعة النبوية طلبا للفضيلة واستنباطا للعلوم الإلهية.
(٤) لأنهم من المخالفين والأضداد الذين هبطوا فلحقوا بمنزلتهم التي هي من طبيعتهم.
(٥) المنفهق : المنهق في ط.
(٦) المكان : سقطت في ج.