معوقة للخيرات ، أن ترد بما هي عليه من الصفاء ، فكان ذلك الأشياء المتضادة ، المخالفة بعضها لبعض من المحن والبلاء ، والأمور العارضة المكدرة ، إلى قوله : فإن قال قائل فلما وجب الفناء للطبيعة ، وإنّها لا تلحق بمنزلة النفس ، كما النفس تلحق بمنزلة العقل؟
قيل له : من أجل أنها لاهية عن الأمور العقلية ، غير عارفة بها ، ولا مشتاقة إليها ، لبعدها عنها ، ولأنها ليس هي المراد ، ولأنها محنة للنفس وعذاب لها. وإنّما أهبطت النفس إليها ، وبليت بها لخطيئة كانت منها استوجبت ذلك ، وموضع المحنة ، ومكان البلية ، لا يبقى عند خروج المذنب من ذنبه. فالنفس إذا فارقت الطبيعة بعلم وعمل (١) ، رجعت إلى حالتها الأولى التي كانت عليها قبل الخطيئة. فالنفس التي أشار إليها هاهنا ، هي الصورة التي هي الحياة الحسية الهابطة ، والطبيعة التي أهبطت إليها ، وامتحنت بها ، هي الكثافة التي هي الهيولى ، النفس النامية.
وقال في فصل ثان من الجامعة (٢) : وإن النفس في عالم الكون والفساد ، كائنة في محل الأجساد ، وهي الأرواح الهابطة للزلة التي كانت منها ، والخطيئة التي جنتها ، فأهبطت وأبعدت من دار الكرامة ، فبقيت معذبة مربوطة بالطبيعة الحسية والتكليفات اللازمة لها في الشرائع الناموسية ، جزاء لها بما أسلفت. وما ذكره الحكماء من الهيولي والصورة إلّا تنبيها للنفس اللاهية ، والأرواح الساهية الغافلة عن آيات الله وتذكارا لهم (٣). وإن الهيولى والصورة ،
__________________
(١) أي بالعبادة العلمية والعبادة العملية.
(٢) انظر الجزء الأول من رسالة الجامعة لإخوان الصفاء وخلان الوفاء ورقة ٨٣. مخطوطة في مكتبة مصطفى غالب.
(٣) يريد بذلك الأنفس التي تتكشف بالمعاصي وهذا يختص بالأضداد الكبار من الخبثاء والأشرار أعداء الإمام الأساس.