أعراف عليها واقفون ، وبرازخ لهم إلى يوم يبعثون ، كلما بليت صورة بالفساد كونت أخرى (١) بالكون. فهم بين البلاء والنشوء مترددون ما بين الهيولى الجسمانية ، والصورة التركيبية إلى كون النشأة (٢) الأخرى الروحانية ، كالبداية الأولى ، والنشأة الثانية. فالمحرك للنفس قوة جزئية من قوة النفس الكلية بالإرادة الإلهية ، والعناية الربانية ؛ وإن ملكا من جملة الملائكة موكل بها. وإن الرؤساء الظاهرين في الآفاق والأنفس ، بالآيات والمعجزات ، هم أشخاص صورانية متحدة بها أرواح نورانية مؤيدة لها ، بتأييدات إلهية ، منبعثة من النفس الكلية القدسية القابلة لفيض العقل بلا واسطة انزلت لخلاص النفوس الجزئية من عالم الفناء (٣) ، وتذكيرهم بمحل البقاء (٤) ، وتمحق عنهم أثر الخطيئة الكبرى ، وما حل بهم من المصيبة العظمى ، وتنقذهم من أسر الهيولى ، وتفكهم من قيود الطبيعة ، وتردهم إلى عالم السموات ،
__________________
(١) يذهب الإسماعيلية إلى أن هؤلاء إذا ماتوا شاعت أنفسهم في أجسامهم ولم تفارقهم إلا الهوائية. ثم يتحللون ويصيرون من البرازخ فيما يستحقونه منها على قدر أعمالهم ، إن استحقوا بعضها أو كلها. ثم يرجعون صاعدين بالاستحالة والولادة إلى الصور البشرية ، وتعرض عليهم الدعوة. فإن استجابوا خلصوا وإلا ردوا إلى ما يستحقونه باكتسابهم في المرة الثانية ، لأنه عدل لا يظلم العباد ولا يخلف الميعاد ، والغرض كله في إنشاء الخلقة استخلاصها مما وقعت فيه من الخطيئة والإنكار. فمن تخلص صعد ، ومن أبى وعائد الحدود ، ارتكس وهبط ، وكل ذلك بالاستحالة مرة بعد مرة.
(٢) نلاحظ بأن الإسماعيلية ينكرون ما يذهب إليه أهل التناسخ ويعتبرون ذلك جهلا وضلالا لا يجب اعتقاده ، بل يقولون بأن معتقد ذلك هالك ملعون. لأن ذلك بالاستحالة والاغتذاء والولادة والتنقل في برازخ العذاب الأدنى ثم إلى العذاب الأكبر.
(٣) يعني بذلك المنبعث الأول أو التالي الذي اتخذه السابق أو العقل الأول بابا وحجابا يخاطب منه من دونه ، وأمده من المادة التي طرقته من مبدعه ، بما شرف به على المنبعث الثاني ، وعلى كافة أبناء جنسه ، وعلم بذلك ما كان وما سيكون ، وهو المسمى بالنفس الكلية وباللوح ، والأنفس الجزئية منه تنطلق وإليه تعود إذا خلصت من جزئيتها وبلغت حد الكمال.
(٤) يريد بذلك المعاد أو عودة الجزء إلى الكل الذي انبثق منه.