ولكنّهما لبسا (١) الكثافة من ذاتهما بذاتهما ، والكثافة ليست (٢) بشيء إلا الجهل الذي تصوره مع صورة البقاء ، فكان ذلك ظهوره كظهور الخبث من جميع الصنعة الهيولانية. وكذلك جاء عن الشخص الفاضل صاحب الرسائل (٣) :
إن الشر لا أصل له في الإبداع من جهة المبدع سبحانه ، فإذا سائل سأل وقال : فمن أي جهة حدوثه؟ فليعلم السائل أن الخير الكلي هو العلم المحض ، والجود إفاضة الباري سبحانه على العقل بجوده ، فكان له السبق والتمام ، والكمال ، والتقدم بالوجود على الأشياء.
ثم كانت النفس منبعثة منه تالية له ، فكان ما بينهما من التفاضل مرتبة منحطة النفس عن اللحوق بالعقل ، ونقصانا عن درجته ، فقصرت عن الكمال ، فصار ذلك التقصير عجزا ، فحدث من ذلك العجز نقص عن البلوغ إلى الفضل الكلي.
ثم حدثت الطبيعة عن النفس أفضل منها ، لكونها أصلا لها (٤). فكان ما بينهما من التفاضل عجزا هو أكثر من عجز النفس عن بلوغ مرتبة العقل. فقد بين بأن هذه النفس الناقصة ، هي العاشر بما ذكرناه ، وإن الطبيعة هي الهابط الذي تخلف وكان نقصه أكبر من نقصان النفس ، كما ذكرنا. وهذا هو الشر الحادث من المحدث له.
ثم قال : سميت تلك الشوائب الكدرة ، لما غطت على الفضائل ونقصت من جنسها وبهجتها ، وسترت بغلظتها من نورها شرّا لما كانت
__________________
(١) لبسا : ليس في ج وط.
(٢) ليست : سقطت في ج وط.
(٣) هذا النص منقول من الرسالة الجامعة الجزء الأول. مخطوطة في مكتبتي الخاصة.
(٤) أصلا لها : الإله في ج : إلا لها في ط.