قال سيدنا المؤيد (١) قدس الله روحه في بعض خطبه : اللهم يا من وقع اعترافنا بصدق ما قاله في حكيم ذكره ، إذ يقول وقوله الحق : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (٢) ، إنّا نسألك المسامحة لمن هو في رقة العبودية في مضيق الانحصار ، إذ تناول ذكرك بغير ما أنت أهله بحكم الاضطرار ، فإنّما هو ذنب مشفوع بالاستغفار.
فقد صحّ واتضح بهذه الألفاظ الصادرة عن تلك الألسن الصادقة التي هي بالحق والحقائق ناطقة ، ان الغيب سبحانه وتعالى جلّ جلاله لا يقال عليه باسم من الأسماء ، ولا يوصف بما به مبدعاته تدعى ، ولكن لا بد من استعارة الأسماء الحسنى كما قال تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) (٣) ففعلنا ما أمرنا ، وقصدنا ما به عرفنا ، فتوحيده معرفة حدوده (٤) وسلب الإلهية عنهم له تجريده (٥) ، وسلب الأسماء والصفات عنه لهم تنزيهه ، فهو
__________________
(١) المؤيد : يريد داعي الدعاة المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي الذي عرف في تاريخ الأدب العربي بمناظرته مع أبي العلاء المعري حول تحريم أكل اللحوم. جاء من شيراز في فارس إلى مصر مقر الخلافة الفاطمية وأقام بها زهاء ثلاثين عاما ، عمل خلالها على نشر العقائد الإسماعيلية ، فكان له تأثير كبير في الحياة العقلية ، وفي القاهرة أنشد المؤيد أكثر قصائد ديوانه ، وألقى مجالسه التي بلغت الثمانمائة مجلس. قيل إنه ولد سنة ٣٩٠ ه وتوفي في القاهرة سنة ٤٧٠ هجرية وصلى عليه الخليفة الفاطمي المستنصر بالله (أعلام الإسماعيلية مصطفى غالب ٥٩٦ ـ ٥٩٨ ، والمرشد إلى الأدب الإسماعيلي إيفانوف ص ٤٧).
(٢) سورة ٦ / ٩١ و ٢٢ / ٧٤ و ٣٩ / ٦٧.
(٣) سورة ٧ / ١٨٠.
(٤) مذهب الإسماعيلية في التوحيد أقيم على دعائم مستمدة من نفي الصفات وسلبها عن الله لأنه أصدق ما يعتمد عليه في التوحيد والتمجيد ، وإن الله بالعرف الإسماعيلي لا يعقل ذاته عاقل ، ولا يحس به محس ، وتوحيده معرفة حدوده العلوية والسفلية.
(٥) التجريد : باعتبار أن الله حسب الاعتقاد الإسماعيلي متعال عن المراتب كلها كمالا ونقصانا ، ووحدة وكثرة ، ولا مثل له يتعلق بتجريد المجردين فيخرج عن نعوت مبدعاته إذا لم يجرده ـ