فأيدت أدناها رتبة ما أيد به الهيولى تأييدا بسريان تلك الأنوار وسطوعها ، فأعطته قوّة وقدرة كان بها من ذاته ما هو فاعل ، ومنها ما هو منفعل.
فالفاعل منها المؤثر بتلك القوة والقدرة ، التي أمد بها كالأفلاك والنجوم ، والكواكب السيارة ، بمرافدتها وتعاونها ، الذي كان سببا لظهور أجناس المواليد والمنفعل منها القابل للتأثير ، كالأركان الممتزجة ؛ والمزاج الذي عنه ظهور النشوء الذي غايته الشخص الألفي المعروف بأنّه زبدة عالم الهيولى ، وكان السبب في دفع الدافع إليها هذه القدرة والقوّة ، طلبا لظهور القامة الألفية ، التي لا صعود إلّا منها ، لكونها آخر المواليد ، وهي الدار الآخرة لمن سعد وفاز ، وكان من الناجين.
والغرض به أن تحفظ العقول الدينية رتبها لمن يقيم صورته منها ، كما قدمناه أولا ، لتكون مستخلصة لمن أذن له بالخلاص (١) ممّا يظهر عنها على مرور الأوقات ، بأن تنقشه النقش السوي ، ويستخرج منه الجني ، فتكون سببا له في نيل كماله الثاني ، كما كانت تلك الآلات سببا لنيل كماله الأول ، مثلا بمثل.
ومعنى قولنا الكمال الثاني هو الرجوع إلى المبدع الأول بالتدريج ، وتكون العقول الدينية بذلك الذي حفظت به رتبها راجعة إلى محلها الأول ، ومسكنها الأفضل ، في عالم القدس بعد أن رقته من مسقطه ، وأصعدته من مهبطه ، بالطاعة والانقياد منه لها ، والقبول الذي كان السبب في إهباطه بما
__________________
ـ وغيرهم ما لم يكونوا يعلمون ، ويكسبهم التمامية إذا كانوا ناقصين ، وإن كانوا عن الغير بالفضل متميزين وقاصرين عن درجة الكمال ، بتركهم العمل في العبادة ، فشرع ، وقنن ، ودعا إلى العبادتين علما وعملا ، فمنهم من اتبع وأطاع ، ومنهم من امتنع والتوى عليه على السنة السابقة في ابتداء الأدوار.
(١) يقصد أن تكون مستخلصة لإمام العصر الذي تتجسد فيه القوى العقلية والروحية والدينية لأنه أصلها ومبدؤها.