إبداعه لا من شيء ولا بشيء ، ولا في شيء ، ولا على شيء ، ولا مع شيء ، ولا مثل شيء ، ولا لشيء. بل على طريق الإبداع المتعالي مبدعه عن أن يوصف بصفاته المناسبة له ، وقع الاتحاد ببعضه بفعله الذي استحق به ذلك ؛ وإن كان لا تبعيض هنالك ، بل على طريق التقريب باللفظ فقط ، فاتحد به اتحادا كليّا عرف به مع كون الحيرة والعجز عن تصور المتحد والمتحد به أيضا.
وذلك أن المتحد به سبق السابقين في الإجابة بعد التمييز والفكرة التي سبق إليها ما لا يترجم عنه عقل طيني ، ولا لسان توحيدي ، فاستحق الاتحاد بسبقه ، لأنّه سبق السابقين ، فاتحد به لاستحقاق سبقه ، ودعا (١) عالم الإبداع ببابه الذي سبق إليه إلى السجود ، والطاعة والخضوع والإذعان. فكان منه ما أجاب عند الدعوة ، فبقي على حاله الموجود عليه إبداعا. ومنه ما أجاب على الترتيب ، فكانت السوابق منه ملاحظة للواحق مؤيدة لها على قدر رتبها في الإجابة من تقدم وتأخر ، وإبطاء وسرعة.
وكان المتخلف عن الإجابة والواقع عليه اسم الهيولى المتكثف المظلم ببعده عن مركزه وسقوطه من مقامه ومفارقته إياه ، فوقع به الإهباط عن الحال الأفضل الموجود إلى الحال الأرذل المهبط إليه ، من قبول التشكل بالطول والعرض ، والعمق والخلف ، والأمام واليمين ، والشمال والفوق والتحت ، وهو المكان.
فلما كان ذلك كذلك وسقط الهيولى ، فتكثف وقبل الأشكال ، وبعد إلى غاية البعد ، على أنّه حياة محضة (٢) مظلمة ، عمدت العقول المرتبة في الإجابة
__________________
(١) يريد أنه دعا عالم الإبداع بالمبدع الأول أو الموجود الأول السابق في الوجود والتوحيد.
(٢) يذهب الإسماعيلية في تأويلهم الباطني العرفاني إلى أن من كان قبل آدم الجسماني فحكمه حكم من يكون في آخر الدور السابع مثلا بمثل ، ولما بعث الله تعالى آدم عليهالسلام ليعلمهم ـ