إلى غاية الرتب التي لا غاية بعدها ، منها ، فيكون الحال في جميع ما دون هذه الرتبة منوطا بصاحبها ، وكذا قد ذكرنا أن الموجود من عالم الهيولى على وجهين : صاعد ، وهابط. وقلنا : إنّه لا يجوز أن يقال صاعد على غير هابط ، كما لا يجوز عند عكسنا القول هابط لما لم يكن صاعدا قبل كنايته عن النفوس الناجية بالصعود عن عالم الكون والفساد ، وعن النفوس الهالكة بالهبوط إليه ، والانحلال (١) نحوه ، على أنهما جميعا قد جمعهما اسم الوجود ؛ ثم اسم الصعود بعده. إلّا أن هذه الناجية استقامت وثبتت. وهذه نكثت (٢) وارتدت. وانما أوقعنا عليهما جميعا اسم الصعود ، لكون الهبوط قد كان جامعا لهما أولا. وهو ما نريد الإنابة عنه ، إلا أنّنا عللنا القول زيادة في البرهان.
وإذا تقرّر ذلك وثبت فإنّا نقول : إن جميع الموجودات خلقا وأمرا في بدء الوجود الإبداعي يقتضي قضية الحكمة والعدل أن يكون كلّه شيئا واحدا محضا ، وذاتا واحدة لا تفاضل بينهما ، ولا تفاوت من جهة الإبداعية ، ولا تمييز لشيء منها على شيء لكون الحكمة توجب ذلك وتقتضيه ، لأنّه لو وجدت متفاضلة لاقتضى تفاضلها استحقاقا استحق به الفاضل التمييز على المفضول ، ولعل (٣) ذلك الهوية المتعالية سبحانها ، ومحال ذلك ، إذ هو تأييس من ليس ، ولأنّنا متى طلبنا التصور للحال قبل إبداعه احتجنا إلى آلة سابقة عليه في الوجود ، وذلك محال.
فلمّا كان عالم الإبداع بالقضية التي وجد عليها من التمام ، والسناء ، والعظمة ، والكبرياء ، والجلال ، والبهاء ، والعزة ، والعلاء ، وكان
__________________
(١) الانحلال : الاحتلال في ج.
(٢) أي هبطت من عالم الصفاء نتيجة للكثافة التي لحقتها. نكثت : نكصت في جميع النسخ.
(٣) ولعل : ولعلا في ج وط.