قربت من قبول التغير والفساد. وكان قصد المؤيد حتى أدركت ما أدركت من هذا الصنع العجيب بالقدرة المعطاة إياها. والذي منها ما هو فاعل ، ومنها ما هو منفعل ، إنّما الغرض به كما ذكرنا في غير موضع ، وجود القامة الألفية المهيأة لقبول تأثير العقول الإبداعية ، ولتأثير العقول الانبعاثية في دار الطبيعة ، التي هي مطارح أشعة تلك العقول النورانية البسيطة لتفعل فيها هذه العقول من الأفعال ما تحفظ به رتبتها ممّن قبل منها ، فتقيمه مقامها في استخلاص تلك الذات ممّا يظهر على مرور الأوقات من تلك الأشخاص ، ليحصل لهذه العقول القاصدة هذا القصد بذلك التي هي أدنى عالم اللطافة ، أعني العقول القاصدة العود إلى المبدأ (١) الأول بإقامتها مثلها حدودا فاعلة كفعلها ، مقيمة من النفوس التي استخلصتها كالذي أقامته من الصور.
وإنّما قلنا عليها إنها أدنى عالم اللطافة ، لما كان من تبطئها (٢) عند الدعوة ، وعند المبادرة بالإجابة. فعلى حسب تبطئها ترتب كل على قدر إجابته من سرعة وإبطاء. فأمّا المتخلف عن الإجابة ، فهو عالم الهيولى المظلم الكدر الذي قلنا عليه هابطا. ونحن نشرح الحال في ذلك إن شاء الله تعالى فنقول :
إنّه لما كان الكلام قد تقدم في معنى العدل ، وكونه متوجها في عالم الكون والفساد إلى الآلات المتولية لإنشائه وإبلائه ، وكونه وفساده. وإن كان لا يقال عليه إنّه عدل ولا جور ، كما قد سبق ، لكن القول على المجاز ، وكونه من الطريق الآخر التي هي الحقيقة للطائف ، ومنها وفيها كل يقيمه (٣) في من هو دونه على حسب الدرج (٤) والرتب وما تحويه الدوائر حتى تنتهي
__________________
(١) لأنه أصلها ومتمها وتمامها وسابقها في الوجود ، ومن شأن اللطيف الصعود والعلو. المبدا : المبدع في ج وط.
(٢) تبطئها : تباطوئها في ط : تباطأ في ج.
(٣) يقيمه : تقيمه في ط تقومه في ج.
(٤) الدرج : الدرجات في ج.