التاسع من منيرة البصائر قال : نقول وبالله أستعين ، وعليه نتوكل ، إنّه لما كنا قدمنا في الباب السابق على هذا الكلام على قضية العدل ، وميزنا المستحق لنظره بعين العدل ، ممّن لا يستحقه لضعته ودناءته ، نفينا عن الله تعالى ما تضيفه إليه الجهلة الغفلة من أقضية العدل المنسوبة إليه في عالم الطبيعة اللائقة بما يناسبها من جنسها ، ورددنا ذلك إلى الآلات المحكمة ، القائمة في عالم الكون والفساد بالإنشاء والإبلاء ، اللذين هما أصلان ، والأمور الكائنة بينهما في عالم الكون والفساد ، من الحالات المائزة المذكورة في الباب السابق على هذا الباب ، فروع. وإذا كانت الآلات المحكمة متولية للأصول ، فهي بتولي الفروع أولى فأولى (١) ، كما بينا في حال مرافدة بعضها لبعض ، باتصال النظر المحمود والمذموم ، وكون جميع ذلك إنّما القصد به والغرض منه ، استخلاص الذات الهابطة من عالم الإبداع ، التي وعدنا بالكلام عليها ، والسبب في هبوطها وكيفيته.
فعمدت العناية الإلهية المتوجهة إلى عالم الهيولى بانعطاف الأوائل من طريق السبق على الأواخر ، من طريق التخلف ، فأعطت أصفاء ذات عالم الهيولى قدرة ، وأيدتها بتأييد كان توجهه إليها من أدنى تلك الرتب ، منها ما هو آلة فعالة مؤثرة ، هي أصفاها وكذلك ما بعدت من التغيير والفساد ، وطالت بها المدد ؛ ومنها ما هو هيولى منفعلة قابلة للتأثير ، هي ما كدر منها ، ولذلك ما
__________________
ـ بن الحسين أخا الملكة في الرضاع ، ذا منزلة جليلة ، وهو أرفع الدعاة بعد الداعي الذؤيب بن موسى ، وعاضده في إقامة الدعوة الآمرية والطيبية في أو ان الحرة الملكة السيدة الصليحية. قتل غدرا سنة ٥٣٣ ه ، ومن مؤلفاته العديدة في علم الحقيقة : كتاب النفس ، وكتاب منيرة البصائر وهو في عشرة أبواب ، ورسالة النعيم ، وكتاب غاية المواليد. وهذه المخطوطات في مكتبة مصطفى غالب الخاصة.
(١) بتولي الفروع أولى فأولى : تتولى الفروع أولا فأولا في ج وط.