الجائرة ، ويشغلهم
عن التفكير بالشؤون العامة بجمع الأحاديث وتدوينها وكتابة الفقه وممارسته ، حتى لا
ترتفع أصواتهم بين ملايين البائسين والمحرومين والمشردين من جوره وتعذيبه ، أراد
أن يحدد لهم صلاحياتهم ويحد من نشاطهم وتفكيرهم بشؤون الخلافة الإسلامية ، التي
انتقلت إليهم من الأمويين ، بعد مجازر دامية ، باسم الحفاظ على المقدسات الإسلامية
وانصاف المظلومين والثأر للعلويين.
ولم يقتصر التدوين
في تلك المراحل التي مر بها ، منذ أن دعا اليه عمر بن عبد العزيز ، على تدوين
الحديث ، بل هب العلماء الى تدوين الفقه وتبويبه ، مرتبا على أبواب الفقه ، من
عبادات ومعاملات وغيرهما.
لقد تكلم الدكتور
محمد يوسف في تاريخ الفقه الإسلامي والأستاذ محمد عجاج الخطيب وغيرهما عن تدوين
الفقه ، ونقلوا عن بعض المصادر أنّ كل شيء من التدوين كان قد حصل في العهد المبكر
من تاريخ الإسلام ، وأن الرسول أمر بكتابة بعض أحكام الزكاة وبعث بها الى أمراء
البلاد والولاة ، وأعطى عمرو بن حزم ، لما ولاه على اليمن ، أحكاما مكتوبة من
الفرائض والصدقات والديات ، كما أعطى عبد الله بن حكيم ووائل بن حجر كتبا فيها
أحكام الحيوانات الميتة ، وأحكام الصلاة والصوم والربا والخمر. ونقل ذلك عن كنز
العمال في سنن الأقوال والأفعال (ج ٣ ص ١٦٨) والمعجم الصغير للطبراني (ج ٣ ص ١١٧).
كما ذكر أن أبا بكر كتب كتابا لأنس بن مالك ، حين بعثه على البحرين ، فيه أحكام
السائمة من الإبل والغنم ومقدار النصاب في كل واحد من هذين النوعين. وكتب عمر بن
الخطاب ، في الموضوع نفسه كتبا وأعطاها إلى عماله ، لجباية الزكاة ، ولم يبد آية
ملاحظة حول