العلم هو المقدمات المرتبة للزوم الدور المحال ، لأن مسائل هذا الفن ومقاصده متأخرة عن الأدلة تأخر المحمولات عن موضوعاتها والأعراض عن محالها ، فاذا كانت الأدلة هي المقدمات المرتبة تأخرت عن مسائل هذا الفن ومقاصده لأن جملة من طرق النظر وترتيب المقدمات انما تعرف وتعلم في هذا العلم مثلا : كون صيغة الأمر هيئة للوجوب يعرف في هذا الفن. فاذا كان الدليل هو المقدمات المرتبة فيكون الدليل على وجوب الصلاة مثلا هو قولنا «الصلاة مما طلب فى الكتاب بصيغة الامر وهيئته ، وكلما طلب في الكتاب بصيغة الامر فهو واجب ، فينتج أن الصلاة واجبة».
ولا ريب فى أن الكبرى ـ وهي قولنا «كلما طلب بهيئة الأمر وصيغته فهو واجب» ـ من مقاصد هذا الفن من مباحث ألفاظه ، حيث يثبت فيه أن صيغة الأمر للوجوب ، فهذه الكبرى لما كانت من مقاصد هذا العلم تكون موقوفة على موضوعه وهو الدليل ، والدليل لما كان هو القياس المرتب المؤلف ـ على ما هو المفروض ـ كان موقوفا على هذه الكبرى ، لان القياس المؤلف لا يكون إلّا مركبا من الصغرى والكبرى ، والمركب موقوف على أجزائه ، فتكون هذه الكبرى موقوفة على نفسها ، وهو الدور الظاهر الصريح المحال. فظهر أن المراد بالأدلة لا بد وأن يكون هو المقدمات الغير المرتبة. هذا غاية توضيح مرامه زيد في علو مقامه.
وفيه : ان ما ذكر لا يقتضي إلّا أن المراد بالأدلة هو المقدمات الغير المرتبة ، وأما انه هو المعنى الحقيقي للدليل فلا ، وقد سبق منا ان اطلاق الأصوليين الدليل على المفرد اطلاق تسامحي تجوزي ، اذ المفرد لا يعقل أن يكون دليلا متوصلا به إلّا أن يكون مجرد اصطلاح ولم يثبت وانما الثابت اطلاقه على المفرد ـ فافهم واستقم.