قلت : الوجه قسمان : قسم يكون الوجه خاصا مساويا لذيه ، وقسم عاما. فاذا كان الوجه خاصا مساويا يحصل بالعلم به العلم بالشيء بوجهه ، وأما اذا كان الوجه عاما ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا يحصل بالعلم به العلم بالشىء بوجهه ، بل ليس العلم الا علما بوجه الشىء ، ويكون وجه الشىء في هذه الصورة واسطة في عروض العلم للشىء بحيث يصح سلبه عنه ، فاذا لم تكن الافراد معلومة لم يكن موضوعا لها.
إن قلت : لا يحتاج في جانب الموضوع له ـ وهو المعلوم ـ أزيد من تلك الافراد افرادا للكلي ، ولا يحتاج الى تصورها بخصوصها ولو بالوجه
قلت : فاذن لا بد في جانب الوضع والعلم من تصور الكلي وكونه متحققا في ضمن الأفراد ، فيتطابق الوضع والموضوع له ، ولا معنى للتفكيك بينهما بكون الأول عاما والثاني خاصا.
هذا كله مع انه يمكن أن يقال : إن مرادهم بالعام ـ كما هو مصرح به في بعض الكتب ـ ما لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين ، فيكون عاما ميزانيا لا العام الأصولي ، وحينئذ لا يجوز أن يكون الوضع في الحروف وما يشابهها عاما بالعموم الأصولي والموضوع له أيضا عاما بالعموم الاصولي ، بأن لاحظ الواضع في وضع كلمة «من» مثلا كل فرد فرد من أفراد الابتداء ووضعها بإزاء كل فرد فرد ، لا انه لاحظ الابتداء الكلي ووضعها بإزاء كل فرد فرد من الابتداءات الخاصة ، فعلى ما صورنا يكون الوضع والموضوع له أيضا متطابقين. ولعل ما ذكرنا يكفي في ابطال ما زعمه المتأخرون بل استحالته ـ فافهم واستقم واشكر ربك الفياض على البريات.