وعلم التفسير عسر يسير.
أما عسره فظاهر من وجوه : أظهرها أنه كلام متكلم لم تصل الناس إلى مراده بالسماع منه ولا إمكان الوصول إليه ، بخلاف الأمثال والأشعار ونحوها ، فإن الإنسان يمكن علمه منه إذا تكلم بأن يسمع منه أو ممن سمع منه.
وأما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذلك متعذر إلا فى آيات قلائل.
فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل ، والحكمة فيه أن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده فى كتابه فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد فى جميع آياته.
وأما شرفه فلا يخفى ، قال تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) فعن ابن عباس فى قوله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ) قال : المعرفة بالقرآن ، ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ، ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله. وعنه : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ) قال : يعنى تفسيره ، فإنه قد قرأه البرّ والفاجر.
وعن أبى الدرداء : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ) قال : قراءة القرآن والفكرة فيه.
وعن عمرو بن مرة قال : ما مررت بآية فى كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنتني ، لأنى سمعت الله يقول : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ).
وعن الحسن قال : ما أنزل الله آية إلا وهو يحبّ أن تعلم فيما أنزلت وما أراد بها.
وعن ابن عباس قال : الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرابى يهذ الشعر هذا وعن أبى هريرة : «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه» وعن أبى بكر الصديق قال : لأن أعرب آية من القرآن أحبّ إلىّ من أن أحفظ آية.
وعن رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لو أنى أعلم إذا سافرت أربعين ليلة أعربت آية من كتاب الله لفعلت.
وقال عمر : من قرأ القرآن فأعربه كان له عند الله أجر شهيد. ومعنى هذه إرادة البيان والتفسير ، لأن إطلاق الإعراب على الحكم النحوي اصطلاح حادث ، ولأنه كان فى سليقتهم لا يحتاجون إلى تعلمه.