بكل حال وعند كل أحد كما وصف عليهالسلام به الجنة فقال : «لا خير بخير بعده النار ، ولا شر بشر بعده الجنة» وخير وشر مقيدان وهو أن يكون خيرا لواحد شرا لآخر كالمال الذي ربما يكون خيرا لزيد وشرا لعمرو ، ولذلك وصفه الله تعالى بالأمرين فقال فى موضع (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) وقال فى موضع آخر : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) وقوله تعالى : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) أي مالا. وقال بعض العلماء لا يقال للمال خير حتى يكون كثيرا ومن مكان طيب كما روى أن عليا رضى الله عنه دخل على مولى له فقال : ألا أوصى يا أمير المؤمنين؟ قال : لا ، لأن الله تعالى قال : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) وليس لك مال كثير وعلى هذا قوله : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) أي المال الكثير. وقال بعض العلماء : إنما سمى المال هاهنا خيرا تنبيها على معنى لطيف وهو أن الذي يحسن الوصية به ما كان مجموعا من المال من وجه محمود وعلى هذا قوله : (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ) وقال : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) وقوله : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) قيل عنى به مالا من جهتهم ، وقيل إن علمتم أن عتقهم يعود عليكم وعليهم بنفع أي ثواب. والخير والشر يقالان على وجهين ، أحدهما : أن يكون اسمين كما تقدم وهو قوله : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) والثاني : أن يكونا وصفين وتقديرهما تقدير أفعل منه نحو هذا خير من ذاك وأفضل وقوله : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) وقوله : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) فخير هاهنا يصح أن يكون اسما وأن يكون بمعنى أفعل ومنه قوله : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) تقديره تقدير أفعل منه. فالخير يقابل به الشر مرة والضر مرة نحو قوله تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقوله : (فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) قيل أصله خيرات فخفف ، فالخيرات من النساء الخيرات ، يقال رجل خير وامرأة خيرة وهذا خير الرجال وهذه خيرة النساء ، والمراد بذلك المختارات أي فيهن مختارات لا رذل فيهن. والخير الفاضل المختص بالخير ، يقال ناقة خيار وجمل خيار ، واستخار الله العبد فخار له أي طلب منه الخير فأولاه ، وخايرت فلانا كذا فخرته ، والخيرة الحالة التي تحصل للمستخير والمختار نحو القعدة والجلسة لحال القاعد والجالس. والاختيار طلب ما هو خير وفعله ، وقد يقال لما يراه الإنسان خيرا وإن لم يكن خيرا ، وقوله : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) يصح أن يكون إشارة إلى إيجاده تعالى إياهم خيرا ، وأن يكون إشارة إلى تقديمهم على غيرهم. والمختار فى عرف المتكلمين يقال لكل فعل يفعله الإنسان