الإضطراب والخوف الذي يصيب الناس في ذلك اليوم ، وكأنّما أجسادهم تهتز كأمواج الماء.
بعد ذلك تضيف الآيات : (وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَجَمَعْنهُمْ جَمْعًا).
وبلا شك فإنّ كافة الناس سيجمعون في تلك الساحة ولن يستثنى منهم أحد ، وتعبير (فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا) إشارة إلى هذه الحقيقة.
من مجموع الآيات نستفيد أنّ ثمّة تحوّلان عظيمان سيحصلان عند نهاية هذا العالم وبداية العالم الجديد :
الأوّل : فناء الموجودات والناس بشكل آني.
والثاني : إحياء الموتى بشكل آني أيضاً.
ولا نعلم مقدار الفاصل بين الحدثين ، ولكنّ القرآن يعبّر عن هذين التحوّلين بعنوان (نفخ الصور).
ثم تتناول الآيات تفصيل حال الكافرين ، حيث توضّح عاقبة أعمالهم ، والصفات التي تقود إلى هذه العاقبة ، فتقول : (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكفِرِينَ عَرْضًا).
إنّ جهنّم ستظهر لهم ، وتتّضح لهم الأنواع المختلفة من عذابها ، وهذا هو بحد ذاته عذاب أليم موجع ، فكيف إذا ولجوها؟!
ولكن من هم الكافرون؟ ولماذا يصابون بمثل هذه العاقبة؟ الآية تعرّف هؤلاء بجملة قصيرة واحدة بقولها : (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِى غِطَاءٍ عَن ذِكْرِى). وبالرغم من أنّهم يمتكون آذاناً ، إلّاأنّهم يفقدون القدرة على السماع : (وَكَانُوا لَايَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا).
فهؤلاء أسقطوا في الواقع أهم وسيلة لمعرفة الحق وإداركه ، وأهملوا الوسيلة الهامة في شقاء أو سعادة الإنسان. يعني أنّهم غطّوا أعينهم وأسماعهم بحجاب وستار بسبب أفكارهم الخاطئة وتعصبهم وحقدهم وصفاتهم القبيحة الاخرى.
الآية التي بعدها تشير إلى نقطة انحراف فكرية لدى هؤلاء هي أصل انحرافاتهم الاخرى ، فتقول : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِى مِن دُونِى أَوْلِيَاءَ).
هل يملك هؤلاء المعبودون ـ كالمسيح والملائكة ـ شيئاً للدفاع عن الآخرين بالرغم من مكانتهم العالية ، أو أنّ الأمر بالعكس إذ كل ما عند هؤلاء هو من الله ، وأنّهم أنفسهم يحتاجون إلى هدايته؟
إنّ هذه حقيقة واضحة ، ولكن هؤلاء تناسوها وتورّطوا في شراك الشرك.