في ختام الآية وللمزيد من التأكيد ، تقول الآية : (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكفِرِينَ نُزُلاً).
«نُزُل» : بمعنى الإقامة ، وتعني أيضاً الشيء الذي يهيّأ لتقديمه للضيوف.
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً) (١٠٨)
أخسر الناس : هذه الآيات والآيات اللاحقة ـ إلى نهاية السورة المباركة ـ في الوقت الذي تتحدث فيه عن صفات غير المؤمنين ، فإنّها تعتبر نوعاً من التلخيص لكافّة البحوث التي وردت في هذه السورة ، خاصة البحوث المتعلقة بقصة أصحاب الكهف وموسى والخضر وذي القرنين ، وما بذلوه من جهود إزاء معارضيهم.
فالآيات تكشف أوّلاً عن أخسر الناس ، ولكنها ـ بهدف إثارة حب الإستطلاع لدى المستمع إزاء هذه القضية ـ تعمد إلى إثارتها على شكل سؤال موجّه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فتقول : (قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْملاً).
ثم يأتي الجواب بدون أي توقف حتى لا يبقى المستمع في حيرة ، فتقول : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
مفهوم الخسران لا ينطبق على خسران الأرباح وحسب ، بل إنّ الخسران الواقعي هو خسران أصل رأس المال ، وهل هناك رأس مال أربح وأفضل وأحسن من العقل والذكاء والطاقات الإلهية الموهوبة للإنسان من عمر وشباب وصحة؟
إنّ نتاج كل هذه المواهب هي أعمال الإنسان ، وأعمال الإنسان هي في الواقع انعكاس وتجسيد لطاقاتنا وقدراتنا.
عندما تتحوّل هذه الطاقات إلى أعمال مخرّبة أو غير هادفة ، فكأنّها قد فنيت أو ضاعت ؛ إلّا أنّ الخسران الحقيقي والمضاعف هو أن يفقد الإنسان رأسماله المادي والمعنوي في مسالك خاطئة ومجالات منحرفة ويظن أنّه أحسن العمل ، فهو في هذه الحالة لم يحصل على ثمرة