(وَءَاتَيْنهُ مِن كُلّ شَىْءٍ سَبَبًا). إنّ الله تبارك وتعالى منح «ذو القرنين» أسباب الوصول لكل الأشياء : العقل ، العلم الكافي ، الإدارة السليمة ، القوّة والقدرة ، الجيوش والقوى البشرية ، بالإضافة إلى الإمكانات المادية ، أي إنّه منح كل الأسباب والسبل المادية والمعنوية الكفيلة بتحقيق الأهداف المنشودة.
ثم يشير القرآن بعد ذلك إلى استفادة ذي القرنين من هذه الأسباب والسبل فيقول : (فَأَتْبَعَ سَبَبًا). ثم (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ). فرأى أنّها تغرب في بحر غامق أو عين ذات ماء آسن : (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ) (١).
(وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا). أي مجموعة من الناس فيهم الصالح والطالح ، هؤلاء القوم هم الذين خاطب الله ذا القرنين في شأنهم : (قُلْنَا يذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا).
بعد ذلك تحكي الآيات جواب «ذي القرنين» الذي قال : (قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا) (٢). أي إنّ الظالمين سينالون العذاب الدنيوي والأخروي معاً.
(وَأَمَّا مَنْءَامَنَ وَعَمِلَ صلِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى). (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا). أي : أنّنا سنتعامل معه بالقول الحسن ، فضلاً عن أنّنا سنخفف عنه ولا نجعله يواجه المشاكل والصعاب ، بالإضافة إلى أنّنا سوف لن نجبي منه ضرائب كثيرة.
وعندما إنتهى «ذو القرنين» من سفره إلى الغرب توجه إلى الشرق حيث يقول القرآن في ذلك : (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا). أي استخدم الوسائل والإمكانات التي كانت بحوزته.
(حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ). وهنا رأى أنّها : (وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا). وفي اللفظ كناية عن أنّ حياة هؤلاء الناس بدائية جدّاً ، ولا يملكون سوى القليل من الملابس التي لا تكفي لتغطية أبدانهم من الشمس.
أمّا بعض المفسرين فلم يستبعدوا افتقار هؤلاء الناس إلى المساكن التي تحميهم من الشمس.
__________________
(١) «حمئة» : تعني في الأصل الطين الأسود ذا الرائحة الكريهة ، أو الماء الآسن الموجود في المستنقعات. وهذا الوصف يبيّن لنا بأنّ الأرض التي بلغها «ذو القرنين» كانت مليئة بالمستنقعات ، بشكل كان ذو القرنين يشعر معه بأنّ الشمس كانت تغرب في هذه المستنقعات ، تماماً.
(٢) «نكر» : مشتقة من «منكر» بمعنى الشيء المجهول ؛ أي العذاب المجهول الذي لم يمكن تصوره.