أوّلاً : إنّ هذه الحقائق تلائم بشكل كامل ما هو مكنون في فطرتكم ووجدانكم وأرواحكم.
ثانياً : إنّها جاءت من قبل خالقكم.
ثالثاً : عليكم أن لا تنسوا أنّكم اقترفتم الذنوب ، وأنّ منهاج عمل الأنبياء هو فتح باب التوبة من الذنوب والهداية للصواب.
لكن هذه الفئة من الناس لم تؤمن برغم كل ذلك : (إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءَاذَانِهِمْ وَقْرًا). وبذلك لا تنفع معهم دعوتك : (وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا).
إنّ البرنامج التربوي للخالق جلّ وعلا هو أن يعطي لعباده الفرصة بعد الاخرى ، وهو جلّ وعلا لا يعاقب بشكل فوري مثل الجبّارين والظالمين ، بل إنّ رحمته الواسعة تقتضي دوماً إعطاء أوسع الفرص للمذنبين ، لذا فإنّ الآية التي بعدها تقول : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ).
(لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ). فاذا كانت الإرادة الإلهية تقتضي انزال العذاب بسبب إرتكابهم للذنوب لتحقّق ذلك فوراً.
(بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً) (١).
فغفرانه تعالى يقضي أن يرحم التوابين ، ورحمته تقضي أن لا يعجّل عذاب غيرهم ، إذ من المحتمل أن يلتحق بعضهم بصفوف التوابين ، إلّاأنّ عدالته تعالى تقتضي مجازاة المذنبين العاصين الظالمين عندما يصل طغيانهم وتمرّدهم إلى أقصى درجاته.
وأخيراً تنتهي هذه المجموعة من الآيات إلى توجيه التحذير الأخير من خلال التذكير بالعاقبة المؤلمة المرّة لمن ظلم من السابقين ليكون مصيرهم عبرة لمن يسمع ، فتقول : إنّ هذه المدن والقرى أمامكم ، ولكم أن تشاهدوا خرائبها والدمار الذي حلّ فيها ، وقد أهلكنا أهلها بما إرتكبوا من ظلم ، في نفس الوقت الذي لم نعجّل فيه لهم العذاب ، بل جعلنا موعداً لمهلكهم : (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا).
__________________
(١) «موئل» : من كلمة «وئل» وتعني الملجأ ووسيلة النجاة.