ومن أجل طمأنة الرسول صلىاللهعليهوآله في مقابل صلافة وعناد أمثال هؤلاء ، تقول الآية : (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ).
ثم تقول الآية : إنّ هذه القضية ليست جديدة ، بل إنّ من واقع هؤلاء الأشخاص المعارضة والاستهزاء بآيات الله : (وَيُجدِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُواءَايتِى وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا) (١).
وهذه الآية تشبه الآيات (٤٢ ـ ٤٥) من سورة الحج التي تقول : (وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ) الآيات.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) (٥٩)
لا استعجال في العقاب الإلهي : الآيات السابقة كانت تتحدث عن مجموعة من الكافرين المتعصبين والمظلمة قلوبهم ؛ والآيات التي بين أيدينا تستمر في نفس البحث. ففي البداية قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بَايتِ رَبّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ).
إنّ استخدام تعبير ذكّر يوحي إلى أنّ تعليمات الأنبياء عليهمالسلام هي بمثابة التذكير بالحقائق الموجودة بشكل فطري في أعماق الإنسان ، وإنّ مهمة الأنبياء هي رفع الحجب عن نقاء وشفافية هذه الفطرة.
الطريف في الأمر أنّ الآية الكريمة رسمت ثلاثة مسالك ليقظة هؤلاء وإعادتهم إلى نور الهداية ، هي :
__________________
(١) «يدحضوا» : مشتقة من «إدحاض» بمعنى الإبطال والإزالة ، وهي في الأصل مأخوذة من كلمة «دحض» بمعنى الإنزلاق.