(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً (٥٥) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً) (٥٦)
في انتظار العقاب : تنطوي هذه الآيات على تلخيص واستنتاج لما ورد في الآيات السابقة ، وهي تشير ـ أيضاً ـ إلى بحوث قادمة. الآية الاولى تقول : (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هذَا الْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلّ مَثَلٍ).
لقد ذكرنا نماذج من تأريخ الماضين المليء بالإثارة ، وقد أوضحنا للناس الحوادث المرّة للحياة واللحظات الحلوة في التاريخ ، وقد فصّلنا بيان هذه الامور بحيث تتقبلها القلوب المستعدّة للحق ، وتكون الحجة على الآخرين تامّة ، ولا يبقى ثمّة مجال للشك.
ولكن بالرغم من هذا فإنّ مجموعة عصاة لم يؤمنوا أبداً : (وَكَانَ الْإِنسنُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلاً).
الآية التي بعدها تقول : إنّه بالرغم من كل هذه الأمثلة المختلفة والتوضيحات المثيرة والأساليب المختلفة التي ينبغي أن تنفذ إلى داخل الإنسان المستعد لقبول الحق ، فإنّ هناك مجموعة كبيرة من الناس لم تؤمن : (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ). أي مصير الامم السالفة : (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً) (١). فيرونه بأمّ أعينهم.
إنّ هذه الآية إشارة إلى أنّ هذه المجموعة المعاندة والمغرورة لا تؤمن بإرادتها وبشكل طبيعي أبداً ، بل هم يؤمنون في حالتين فقط :
أوّلاً : عندما يصيبهم العذاب الأليم الذي نزل مثله في الأقوام والامم السابقة.
ثانياً : عندما يشاهدون العذاب الإلهي بأعينهم ، وقد أشرنا مراراً إلى أنّ مثل هذا الإيمان هو إيمان عديم الفائدة.
__________________
(١) «قبل» : تعني التقابل ، بمعنى مشاهدة العذاب الإلهي بالعين.