لذا فإنّ الشخص الذي ليس له أيّ دور في خلق العالم ، وحتى في خلق من يقع على شاكلته ومن هو من نوعه ، ولا يعرف شيئاً من أسرار الخلق ، كيف يكون مستحقاً للولاية ، أو العبادة ، وأيّ قدرة أو دور يملك؟
ثم تقول : (وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلّينَ عَضُدًا).
يعني أنّ الخلق قائم على أساس الصدق والصحة والهداية ، أمّا الكائن الذي يقوم منهج حياته على الإضلال والإفساد ، فليس له مكان في إدارة هذا النظام.
آخر آية من الآيات التي نبحثها ، تحذّر مرّة اخرى ، وتقول : تذكّروا يوماً يأتي فيه النداء الإلهي : (وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَاءِىَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ).
لقد كنتم تنادونهم عمراً كاملاً ، وكنتم تسجدون لهم ، واليوم وبعد أن أحاطت بكم أمواج العذاب في ساحة الجزاء ، نادوهم ليأتوا لمساعدتكم ولو لساعة واحدة فقط.
هناك ينادي الأشخاص الذين لا تزال ترسّبات أفكار الدنيا في عقولهم : (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ). فلم يجيبوا على ندائهم ، فكيف بمساعدتهم وانقاذهم!
(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوبِقًا) (١).
ثم تقول الآية التي بعدها موضّحة عاقبة الذين اتبعوا الشيطان والمشركين : (وَرَءَا الْمُجْرِمُونَ النَّارَ).
لقد انكشفت لهم النّار التي لم يكونوا يصدّقون بها أبداً ، وظهرت أمام أعينهم ، وحينئذ يشعرون بأخطائهم ، ويتيقّنون بأنّهم سيدخلون النار : (فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا).
ثم يتيقّنون أيضاً أن لا منقذ لهم منها : (وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا).
فلا تنقذهم اليوم منها لا معبوداتهم ولا شفاعة الشفعاء ، ولا الكذب أو التوسل بالذهب والقوة ، إنّها النار التي يزداد سعيرها بسبب أعمالهم.
«مواقعوها» : مشتقة من «مواقعة» بمعنى الوقوع على الآخرين ، وهي إشارة إلى أنّهم يقعون على النّار ، وأنّ النّار تقع عليهم ، فالنّار تنفذ فيهم وهم ينفذون في النار ؛ وقد قرأنا في الآية (٢٤) من سورة البقرة قوله تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).
__________________
(١) «موبق» : من «وبوق» على وزن «نبوغ» وهي تعني الهلاك ، و «موبق» تقال للمهلكة.