لا تتخذوا الشياطين أولياء : لقد تحدّثت الآيات مرّات عدّة عن خلق آدم وسجود الملائكة له ، وعدم انصياع إبليس. وقد قلنا : إنّ هذا التكرار يتضمن دروساً متعددة ، وفي كل مقطع مكرّر هناك دروس وعبر جديدة.
ولأنّ الآيات السابقة ذكرت مثالاً واقعياً عن كيفية وقوف الأثرياء المستكبرين والمغرورين في مقابل الفقراء المستضعفين وتجسّد عاقبة عملهم ، ولأنّ الغرور كان هو السبب الأصلي لإنحراف هؤلاء وانجرارهم إلى الكفر والطغيان ، لذا فإنّ الآيات تعطف الكلام على قصة إبليس وكيف أبى السجود لآدم غروراً منه وعلوّاً ، وكيف قاده هذا الغرور والعلو إلى الكفر والطغيان.
إضافة إلى ذلك ، فإنّ هذه القصة توضّح أنّ الانحرافات تنبع من وساوس الشيطان.
في البداية تقول الآيات : تذكّروا ذلك اليوم الذي فيه : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلِكَةِ اسْجُدُوا لِأَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ).
هذا الاستثناء يمكن أن يوهمنا بأنّ إبليس كان من جنس الملائكة ، في حين أنّ الملائكة معصومون ، فكيف سلك إبليس ـ إذاً ـ طريق الطغيان والكفر إذا كان من جملتهم؟! لذلك فإنّ الآيات ـ منعاً لهذا الوهم ـ تقول مباشرة إنّه : (كَانَ مِنَ الْجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ).
إنّه إذاً لم يكن من الملائكة ، لكنه ـ بسبب عبوديته وطاعته للخالق جلّ وعلا ـ قرّب وكان في صف الملائكة ، إلّاأنّه ـ بسبب لحظة من الغرور والكبر ـ سقط وأصبح أكثر الموجودات نفرة وابتعاداً عن الله تبارك وتعالى.
ثم تقول الآية : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِى).
والعجب أنّهم : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ). وهذا العدو ، هو عدوّ صعب مصمّم على ضلالكم وأن يوردكم سوء العاقبة ، وقد أظهر عدوانه منذ اليوم الأوّل لأبيكم آدم عليهالسلام.
فاتّخاذ الشيطان وأولاده بدلاً من الخالق المتعال أمر قبيح : (بِئْسَ لِلظلِمِينَ بَدَلاً).
الآية التي بعدها هي دليل آخر على إبطال هذا التصور الخاطيء ، إذ تقول : عن إبليس وابنائه أنّهم لم يكن لهم وجود حين خلق السماوات والأرض ، بل لم يشهدوا حتى خلق أنفسهم : (مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ). حتى نطلب العون منهم في خلق العالم ، أو نطلعهم على أسرار الخلق.