والأكثر حزناً وأسفاً بالنسبة له هو ما أصبح عليه من الوحدة في مقابل كل هذه المصائب والإبتلاءات : (وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ).
ولأنّه فقد ما كان يملكه من رأس المال ولم يبق لديه شيء آخر ، فإنّ مصيره : (وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا).
وهكذا انتهي كل شيء ولا ينفع الندم ، لأنّ مثل هذه اليقظة الإجبارية التي تحدث عند نزول الإبتلاءات العظيمة يمكن ملاحظتها حتى عند أمثال فرعون ونمرود ، وهي بلا قيمة ، لهذا فإنّها لا تؤثّر على حال من ينتبه.
(هُنَالِكَ الْوَليَةُ لِلَّهِ الْحَقّ). نعم ، لقد إتضح أنّ جميع النعم منه تعالى ، وأنّ كل ما يريده تعالى يكون طوع إرادته ، وأنّه بدون الاعتماد على لطفه لا يمكن إنجاز عمل : (هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا).
إذن ، لو أراد الإنسان أن يحبّ أحداً ويعتمد على شيء ما ، أو يأمل بهديّة من شخص ما ، فمن الأفضل أن يكون الله سبحانه محطّ أنظاره ، وموقع آماله ، ومن الأفضل أن يتعلق بلطفه تعالى وإحسانه.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (٤٦)
بداية ونهاية الحياة في لوحة حيّة : الآيات السابقة تحدثت عن عدم دوام نعم الدنيا ، ولأنّ إدراك هذه الحقيقة في عمر (٦٠ ـ ٨٠) سنة يعتبر أمراً صعباً بالنسبة للأفراد العاديين ، لذا فإنّ القرآن قد جسّد هذه الحقيقة من خلال مثال حي ومعبّر كي يستيقظ الغافلون المغرورون من غفلتهم ونومهم عندما يشاهدون تكرار هذا الأمر عدة مرّات خلال عمرهم. يقول تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنهُ مِنَ السَّمَاءِ). هذه القطرات الواهبة للحياة تسقط على الجبال والصحراء ، وتعيد الحياة للبذور المستعدة الكامنة في الأرض المستعدة بدورها ، لتبدأ حركتها التكاملية.
إنّ الطبقة الخارجية السميكة للبذور تلين قبال المطر ، وتسمح للبراعم في الخروج منها ، وأخيراً تشقّ هذه البراعم التراب وتخترقه ، الشمس تشع ، النسيم يهب ، المواد الغذائية في الأرض تقدّم ما تستطيع ، تتقوى البراعم بسبب عوامل الحياة هذه ثم تواصل نموّها ، بحيث