ـ بعد فترة ـ نرى أنّ نباتات الأرض تتشابك فيما بينها : (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ).
الجبل والصحراء يتحوّلان إلى قوّة حياتية دافعة ، أمّا البراعم والفواكه والأوراد فإنّها تزيّن الأغصان ، وكأنّ الجميع يضحك ، يصرخون صراخ الفرح ؛ يرقصون فرحاً.
لكن هذا الواقع الجذّاب لا يدوم طويلاً ، حيث تهب رياح الخريف وتلقي بغبار الموت على النباتات ، يبرد الهواء ، وتشح المياه ، ولا تمضي مدّة حتى يمسى ذلك الزرع الجميل الأخضر ذو الأغصان المورقة ، ميتاً ويابساً : (فَأَصْبَحَ هَشِيمًا) (١).
تلك الأوراق التي لم تتمكن العواصف الهوجاء من فصلها عن الأغصان في فصل الربيع ، قد أصبحت ضعيفة بدون روح بحيث إنّ أي نسيم يهب عليها يستطيع فصلها عن الأغصان ويرسلها إلى أيّ مكان شاء : (تَذْرُوهُ الرّيحُ) (٢).
نعم : (وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلّ شَىْءٍ مُّقْتَدِرًا).
الآية التي بعدها تذكر وضع المال والثروة والقوة الإنسانية اللذين يعتبران ركنين أساسيين في الحياة الدنيا ، حيث تقول : (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا).
إنّ هذه الآية تشير إلى أهم قسمين في رأسمال الحياة حيث ترتبط الأشياء الاخرى بهما ، إنّها تشير إلى (القوة الاقتصادية) و (القوة الإنسانية).
ثم يضيف القرآن : (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً).
إنّ مفهوم الباقيات الصالحات يشمل كل فكره وقول وعمل صالح تدوم وتبقى آثاره وبركاته بين الأفراد والمجتمعات.
(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٤٩)
__________________
(١) «هشيم» : من «هشم» بمعنى محطّم ، وهي هنا تطلق على النباتات المتيبسة والمتحطّمة.
(٢) «تذروه» : من «ذرو» وتعني التشتيت.