أمّا المؤمنون الحقيقيون الذين عرفوا حقيقة الأمر واعتبروه دليلاً حيّاً لإثبات المعاد بعد الموت ، فقد جهدوا على أن لا تنسى القصة أبداً لذلك اقترحوا أن يتّخذوا قرب مكانهم مسجداً ، وبقرينة وجود المسجد فإنّ الناس سوف لن ينسوهم أبداً ، بالإضافة إلى ما يتبرّك به الناس من آثارهم : (قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا).
الآية التي بعدها تشير إلى بعض الإختلافات الموجودة بين الناس حول أصحاب الكهف ، فمثلاً تتحدّث الآية عن اختلافهم في عددهم فتقول : (سَيَقُولُونَ ثَلثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ). وبعضهم (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ). وذلك منهم (رَجْمًا بِالْغَيْبِ). وبعضهم (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ). أمّا الحقيقة فهي : (قُلْ رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم). ولذلك (مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ).
إنّ عدد أصحاب الكهف الحقيقي هو سبعة ، حيث إنّ القرآن بعد ذكر الأقوال الباطلة ، أبان في الأخير العدد الحقيقي لهم.
إنّ الآية تنتهي بنصيحة تحثّ على عدم الجدال حولهم إلّاالجدل القائم على أساس المنطق والدليل : (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظهِرًا). بمعنى قل لهم قولاً منطقيّاً بحيث تتوضّح رجحان منطقك.
إنّ مفهوم الكلام هو : عليك أن تتحدث معهم بالإعتماد على الوحي الإلهي ، لأنّ أقوى الأدلة هو ما يصدر عن الوحي دون غيره : (وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا).
الآية التي بعدها تعطي توجيهاً عاماً لرسول الله صلىاللهعليهوآله : (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاىْءٍ إِنّى فَاعِلٌ ذلِكَ غَدًا).
(إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ). يعني يجب أن تقول (إن شاء الله) لكل ما يخصّ أخبار المستقبل وأحداثه ولكل تصميم تتخذه ، لأنّك أوّلاً غير مستقل في اتّخاذ القرارات ، وإذا لم يشأ الله فإنّ كائناً من كان لا يستطيع القيام بأيّ عمل.
ثانياً : لا يصح للإنسان ـ من الوجهة المنطقية ـ أن يقطع في أخباره المستقبلية ومواقفه وتصميماته ، لأنّ قدرته محدودة مع احتمال ظهور الموانع المختلفة ، لذلك الأفضل له ذكر جملة (إن شاء الله) مع كل تصميم لفعل شيء.
وبعد ذلك يقول القرآن : (وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ). وهذه إشارة إلى أنّ الإنسان إذا نسي قول (إن شاء الله) وهو يتحدث عن أمر مستقبلي ، فعليه أن يقولها فور تذكّره ، حيث يعوّض بذلك عما مضى منه.