وبعد ذلك جاء قوله تعالى : (وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبّى لِأَقْرَبَ مِنْ هذَا رَشَدًا).
(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (٢٥) قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦) وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (٢٧)
نوم أصحاب الكهف : من القرائن الموجودة في الآيات السابقة نفهم إجمالاً أنّ نوم أصحاب الكهف كان طويلاً جدّاً. هذا الموضوع يثير غريزة الاستطلاع عند كل مستمع ، إذ يريد أن يعرف كم سنة بالضبط استمرّ نومهم؟
في المقطع الأخير من مجموعة الآيات التي تتحدث عن أصحاب الكهف ، تبعد الآيات الشك عن المستمع وتقول له : (وَلَبِثُوا فِى كَهْفِهِمْ ثَلثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا).
ووفقاً للآية فإنّ مجموع نومهم وبقائهم في الكهف هو (٣٠٩) سنة.
ومن أجل وضع حدّ لأقاويل الناس حول مكثهم في الكهف تؤكّد الآية : (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا). لماذا؟ لأنّ : (لَهُ غَيْبُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ).
والذي يعرف خفايا وظواهر عالم الوجود ويحيط بها جميعاً ، كيف لا يعرف مدّة بقاء أصحاب الكهف : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) (١). ولهذا السبب فإنّ سكّان السماوات والأرض : (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِىّ).
وفي نهاية الآية يأتي قوله تعالى : (وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِ أَحَدًا). هذا الكلام هو تأكيد على الولاية المطلقة للخالق جلّ وعلا.
وفي آخر آية يتوجّه الخطاب إلى الرسول صلىاللهعليهوآله ويقول الله له : (وَاتْلُ مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبّكَ). أي : لا تعر أيّة أهمية إلى أقوال الآخرين المخلوطة بالكذب والخرافة والوضع ، يجب أن يكون اعتمادك في هذه الامور على الوحي الإلهي فقط ، لأنّه لا يوجد شيء يستطيع أن يغيّر كلامه تعالى : (لَامُبَدّلَ لِكَلِمتِهِ). فكلام الله تعالى وعلمه ليس من سنخ علم
__________________
(١) جملة «أبْصِرْ بِهِ وَأسْمِعْ» هي صيغة تعجب ، تبيّن لنا عظمة علم الخالق جلّ وعلا ، والمعنى أنّه بصير سميع بحيث إنّ الإنسان يعجب من ذلك.