وزرع غرسة التوحيد في مكانها ، إلّاأنّ ضجة عبادة الأصنام في ذلك المحيط الفاسد ، وظلم الحاكم الجبار كانتا من الشدّة بحيث حبستا أنفاس عبادة الله في صدورهم وانكمشت همهمات التوحيد في حناجرهم.
وهكذا اضطروا للهجرة لانقاذ أنفسهم والحصول على محيط أكثر استعداداً وقد تشاوروا فيما بينهم عن المكان الذي سيذهبون إليه ثم كان قرارهم : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ). حتى : (يَنشُرَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِرْفَقاً).
«يهيّىء» : مشتقة من «تهيئة» بمعنى الإعداد.
«مرفق» : تعني الوسيلة التي تكون سبباً للطف والرفق والراحة.
وليس من المستبعد أن يكون (نشر الرحمة) الوارد في الجملة الاولى إشارة إلى الألطاف المعنوية لله تبارك وتعالى ، في حين أنّ الجملة الثانية تشير إلى الجوانب المادية التي تؤدّي إلى خلاصهم ونجاتهم.
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) (١٨)
مكان أصحاب الكهف : يشير القرآن في الآيتين أعلاه إلى التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالحياة العجيبة لأصحاب الكهف في الغار ، وكأنّها تحكى على لسان شخص جالس في مقابل الغار ينظر إليهم. في هاتين الآيتين إشارة إلى ستّ خصوصيات هي :
أوّلاً : فتحة الغار كانت باتجاه الشمال ، ولكونه في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية ، فإنّ ضوء الشمس كان لا يدخل الغار بشكلٍ مباشر ، فالقرآن يقول إنّك إذا رأيت الشمس حين طلوعها لرأيت أنّها تطلع من جهة يمين الغار ، وتغرب من جهة الشمال : (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا