القصة المفصلة لأصحاب الكهف : بعد أن ذكرت الآيات بشكل مختصر قصة أصحاب الكهف ، بدأت الآن مرحلة الشرح المفصل لها ضمن (١٤) آية وكان المنطلق في ذلك قوله تعالى : (نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقّ). كلام خال من أيّ شكل من أشكال الخرافة والتزوير. (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌءَامَنُوا بِرَبّهِمْ وَزِدْنهُمْ هُدًى).
وتشير الآيات القرآنية ـ وما هو ثابت في التاريخ ـ إلى أنّ أصحاب الكهف كانوا يعيشون في بيئة فاسدة وزمان شاعت فيه عبادة الأصنام والكفر ، وكانت هناك حكومة ظالمة تحمي مظاهر الشرك والكفر والإنحراف.
مجموعة أهل الكهف أحسّوا بالفساد وقرروا القيام ضدّ هذا المجتمع ، وفي حال عدم تمكنهم من المواجهة والتغيير فإنّهم سيهجرون هذا المجتمع والمحيط الفاسد.
لذا يقول القرآن بعد البحث السابق : (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَا مِن دُونِهِ إِلهًا).
فإذا عبدنا غيره : (لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا).
«شطط» : على وزن (وسط) تعني الخروج عن الحد والإفراط في الإبتعاد لذا فإنّ (شطط) تقال للكلام البعيد عن الحق ، ويقال لحواشي وضفاف الأنهار الكبيرة (شط) لكونها بعيدة عن الماء ، وكونها ذات جدران مرتفعة.
إنّ هؤلاء الفتية المؤمنين ذكروا دليلاً واضحاً لإثبات التوحيد ونفي الآلهة ، وهو قولهم : إنّنا نرى وبوضوح أنّ لهذه السماوات والأرض خالقاً واحداً ، وأنّ نظام الخلق دليل على وجوده ، وما نحن إلّاجزء من هذا الوجود ، لذا فإنّ ربّنا هو نفسه ربّ السماوات والأرض.
ثم ذكروا دليلاً آخر وهو : (هؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِءَالِهَةً).
فهل يمكن الإعتقاد بشيء بدون دليل وبرهان؟ : (لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطنٍ بَيّنٍ).
وهل يمكن أن يكون الظن أو التقليد الأعمى دليلاً على مثل هذا الإعتقاد؟ ما هذا الظلم الفاحش والإنحراف الكبير : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا).
وهذا الإفتراء هو ظلم للنفس ، لأنّ الإنسان يستسلم حينئذ لأسباب السقوط والشقاء ، وهو أيضاً ظلم بحق المجتمع الذي تسري فيه هذه الانحرافات ، وأخيراً هو ظلم لله وتعرّض لمقامه العظيم سبحانه وتعالى.
هؤلاء الفتية الموحدون قاموا بما يستطيعون لإزالة صدأ الشرك عن قلوب الناس ،