ثم لكيلا يتصور أحد أنّه لم يكن هناك من يحمل لواء التوحيد قبل إبراهيم ، وأنّ التوحيد بدأ بإبراهيم ، يقول : (وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ).
فالإشارة إلى مكانة نوح ، وهو من أجداد إبراهيم ، والإشارة إلى فريق من الأنبياء من أبنائه وقبيلته ، إنّما هي توكيد لمكانة إبراهيم المتميزة من حيث «الوراثة والأصل» و «الذرية».
وعلى أثر ذلك ترد أسماء عدد من الأنبياء من اسرة إبراهيم : (وَمِن ذُرّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهرُونَ). ثم يبيّن أنّ منزلة هؤلاء ناشئة من أعمالهم الصالحة وهم لذلك ينالون جزاءهم : (وَكَذلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ).
في الآية الثانية يرد ذكر زكريّا ويحيى وعيسى والياس على أنّهم جميعاً كانوا من الصالحين. أي إنّ مكانتهم المرموقة ليست من باب المجاملة الإجبارية ، بل هي بسبب أعمالهم الصالحة في سبيل الله : (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ).
الآية الثالثة تذكر أربعة آخرين من الأنبياء والقادة الإلهيين ، وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط الذين رفعهم ربهم درجات على أهل زمانهم : (وَإِسْمعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ).
وفي الآية الأخيرة إشارة عامة إلى آباء الأنبياء المذكورين وأبنائهم وإخوانهم ممن لم ترد أسماؤهم بالتفصيل وهم جميعاً من الصالحين الذين هداهم الله : (وَمِنْءَابَائِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
(ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (٩٠)
ثلاثة إمتيازات مهمة : بعد ذكر مجموعات الأنبياء في الآيات السابقة ، تتناول هذه الآيات الخطوط العامة لحياتهم ، وتبدأ القول : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ).
ولكيلا يحسب البعض أنّ هؤلاء قد أجبروا على السير في هذا الطريق ، أو يظن أنّ الله