يستند منطق إبراهيم عليهالسلام هنا إلى منطق العقل القائم على الواقع ، إنّكم تهددونني بغضب الأصنام ، مع أنّ تأثيرها وهمٌ من الأوهام ، ولكنّكم بعدم خشيتكم من الله العظيم الذي نؤمن به جميعاً ، ونعتقد بوجوب اتباع أمره تكونون قد تركتم أمراً ثابتاً ، وتمسكتم بأمر وهمي ، ولم يصدر الله تعالى إلينا أمراً بعبادة الأصنام.
في الآية التالية جواب يدلي به إبراهيم على سؤال كان هو قد ألقاه في الآية السابقة (وهذا أسلوب من أساليب الاستدلال العلمي ، فقد يسأل المتكلم سؤالاً عن لسان المخاطب ثم يبادر إلى الإجابة عليه مباشرة كدليل على أنّ الجواب من الوضوح بحيث ينبغي أن يعرفه كل شخص). يقول : إنّ المؤمنين الذين لم يمزجوا إيمانهم بظلم ، هم الآمنون وهم المهتدون (الَّذِينَءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ).
الآية التالية فيها إشارة إجمالية لما مضى من بحث بشأن التوحيد ومجابهة الشرك كما جاء على لسان إبراهيم ، فتقول : (وَتِلْكَ حُجَّتُنَاءَاتَيْنهَا إِبْرهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ).
ثم تقول الآية : (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ). ولكيلا يخامر بعضهم الشك في أنّ الله يحابي في إعطاء الدرجات لمن يشاء ، تقول : إنّ الله متصف بالحكمة وبالعلم ، فلا يمكن أن يرفع درجة من لا يستحق ذلك : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ).
(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٨٧)
في هذه الآيات إشارة إلى النعم التي اسبغها الله على إبراهيم ، وهي تتمثل في أبناء صالحين وذرية لائقة ، وهي من النعم الإلهية العظيمة. يقول سبحانه : (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحقَ وَيَعْقُوبَ).
ثم يبيّن أنّ مكانة هذين لم تكن لمجرد كونهما ولدي نبي ، بل لإشعاع نور الهداية في قلبيهما نتيجة التفكير السليم والعمل الصالح : (كُلًّا هَدَيْنَا).