ألقوني في الجبّ. قال : فتحبّ أن تخرج منه؟ قال : ذاك إلى الله عزوجل ، إن شاء أخرجني. قال : فقال له : إنّ الله ادعني بهذا الدعاء حتى أخرجك من الجبّ فقال له : وما الدعاء؟ فقال : قل : «اللهم إنّي أسألك بأنّ لك الحمد ، لا إله إلّاأنت المنّان ، بديع السماوات والأرض ، ذو الجلال والإكرام ، أن تصلي على محمّد وآل محمّد وأن تجعل لي ممّا أنا فيه فرجاً ومخرجاً».
(وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (١٩) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) (٢٠)
نحو أرض مصر : قضى يوسف في ظلمة الجب الموحشة والوحدة القاتلة ساعات مرّةً ، ولكنه بإيمانه بالله وسكينته المنبثقة عن الإيمان شع في قلبه نور الأمل ، وألهمه الله تعالى القوة والقدرة على تحمل الوحدة الموحشة ، وأن ينجح في هذا الإمتحان.
ولكن ... الله أعلم كم يوماً قضى يوسف في هذه الحالة؟
قال بعض المفسرين : قضى ثلاثة أيام ، وقال آخرون : يومين.
وعلى كل حال تبلج النور (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ).
وانتخبت منزلها على مقربة من الجبّ ، وطبيعي أنّ أوّل ما تفكر القافلة فيه ـ في منزلها الجديد ـ هو تأمين الماء وسد حاجتها منه (فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ).
فانتبه يوسف إلى صوت وحركة من أعلى البئر ، ثم رأى الحبل والدلو يسرعان إلى النزول ، فانتهز الفرصة وانتفع من هذا العطاء الإلهي وتعلق بالحبل بوثوق.
فأحسّ المأمور بالإتيان بالماء أن الدلو قد ثقُل أكثر مما ينبغي ، فلما سحبه بقوة إلى الأعلى فوجىء نظره بغلام كأنّه فلقة قمر ، فصرخ وقال : (يَا بُشْرَى هذَا غُلمٌ).
وشيئاً فشيئاً سرى خبر يوسف بين جماعة من أهل القافلة ، ولكن من أجل أن لا يذاع هذا الخبر وينتشر ، ولكي يمكن بيع هذا الغلام الجميل في مصر ، أخفوه (وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً) (١). وقالوا : هذا متاع لأصحاب هذا الجبّ أودعوه عندنا لنبيعه في مصر.
وتقول الآية في نهايتها : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ). والذين شروا يوسف بثمن بخس ،
__________________
(١) «البضاعة» : في الأصل من مادة «بضع» على وزن «نذر» ومعناها : القطعة من اللحم ، ثمّ توسعوا في المعنى وأطلقوا هذا اللفظ على القطعة المهمّة من المال. (راجع المفردات للراغب).