ومن جهة اخرى فإنّ هذا الموضوع الذي أشار إليه يعقوب ، وهو حزنه على ابتعاد يوسف عنه يمكن ردّه ، وهو لا يحتاج إلى بيان ، لأنّ الولد لابدّ له من الإبتعاد عن أبيه من أجل أن ينمو ويرشد.
لذلك فإنّهم لم يجيبوه عن الشقّ الأوّل من كلامه ، بل أجابوه عن الشقّ الثاني لأنّه كان مهماً وأساسياً بالنسبة لهم إذ (قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ). أي : أترانا موتى فلا ندافع عن أخينا ، بل نتفرج على الذئب كيف يأكله.
وعلى كل حال فقد استطاع إخوة يوسف بما أوتوا من الحيل ، وبتحريك أحاسيس يوسف النقية وترغيبه إلى التنزه خارج المدينة ، استطاعوا أن يأخذوا يوسف معهم وأن يستسلم الأب لهذا الأمر فيوافق على طلبهم.
ومن الطريف أنّه كما أنّ إخوة يوسف استغلّوا علاقة الإنسان ـ ولا سيما الشاب ـ بالتنزّه واللعب من أجل الوصول إلى هدفهم الغادر ... ففي حياتنا المعاصرة ـ أيضاً ـ نجد أعداء الحق والعدالة يستغلّون مسألة الرياضة واللعب في سبيل تلويث أفكار الشباب ، فينبغي أن نحذر المستكبرين «الذئاب» الذين يخططون لاضلال الشباب وحرفهم عن رسالتهم تحت اسم الرياضة والمسابقات المحلّية والعالمية.
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (١٧) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (١٨)
الكذب المفضوح : وأخيراً إنتصر إخوة يوسف وأقنعوا أباهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف ، فباتوا ليلتهم مطمئني البال بانتظار الصبح لتنفيذ خطتهم وإزاحة أخاهم الذي يقف عائقاً في طريقهم ... وكان قلقهم الوحيد أن يندم أبوهم ويسحب كلامه ووعده بإرسال يوسف معهم. فجاؤوا صباحاً إلى أبيهم فأمرهم بالمحافظة على يوسف ، وكرر توصياته في شأنه ، فأظهر الأبناء طاعتهم لأبيهم وأبدوا احترامهم الفائق ومحبتهم العميقة ، وتحركوا إلى