فقد أجاب اولئك دعوة نوح بثلاثة إشكالات :
الأوّل : إنّ الأشراف والمترفين من قوم نوح عليهالسلام قالوا له أنت مثلنا ولا فرق بيننا وبينك : (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَيكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا). زعماً منهم أنّ الرسالة الإلهية ينبغي أن تحملها الملائكة إلى البشر لا أنّ البشر يحملها إلى البشر! وظنّاً منهم أنّ مقام الإنسان أدنى من مقام الملائكة ، أو أنّ الملائكة تعرف حاجات الإنسان أكثر منه.
والإشكال الثاني : إنّهم قالوا : يا نوح ؛ لا نرى متبعيك ومن حولك إلّاحفنةً من الأراذل وغير الناضجين الذين لم يسبروا مسائل الحياة : (وَمَا نَرَيكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرَّأْىِ).
الإشكال الثالث : الذي أوردوه على نوح عليهالسلام أنّهم قالوا : بالاضافة إلى أنّك إنسان ولست ملكاً ، وأنّ الذين آمنوا بك والتفوا حولك هم من الأراذل ، فإنّنا لا نرى لكم علينا فضلاً (وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ).
والآيات التي تعقبها تبيّن ردّ نوح عليهالسلام وإجاباته المنطقية على هؤلاء حيث تقول : (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتَ عَلَى بَيّنَةٍ مِّن رَّبّى وَءَاتنِى رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمّيَتْ عَلَيْكُمْ).
وفي ختام الآية يقول النبي نوح عليهالسلام لهم : هل أستطيع أن ألزمكم الإستجابة لدعوتي وأنتم غير مستعدّين لها وكارهون لها : (أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ).
(وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٣١)
ما أنا بطارد الذين آمنوا : هذه الآيات تتابع ما ردّ به نوح عليهالسلام على قومه المنكرين. فالآية الاولى التي تحمل واحداً من دلائل نبوّة نوح ، ومن أجل أن تنير القلوب المظلمة من قومه تقول على لسان نوح : (وَيَا قَوْمِ لَاأَسَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً). فأنا لا أطلب لقاء دعوتي مالاً أو ثروة منكم ، وإنّما جزائي وثوابي على الله سبحانه الذي بعثني بالنبوة وأمرني بدعوة خلقه إليه : (إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى اللهِ).