شيبتني سورة هود : إنّ آيات هذه السورة تقرر أن على المسلمين أن لا يتركوا السوح والميادين ـ في الحرب والسلم ـ لكثرة الأعداء ومواجهاتهم الحادة ، بل عليهم أن يواصلوا مسيرتهم ويستقيموا أكثر فأكثر ويوماً بعد يوم.
وعلى هذا فإنّنا نقرأ في الدرّ المنثور عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «شيّبتني هود وأخواتها».
إنّ هذه السورة فيها آيات مؤثرة اخرى تتعلق بيوم القيامة والمحاسبة في محكمة العدل الإلهي ، وآيات تتعلق بما ناله الأقوام السابقون من جزاء ، وما جاء مع بعضها من أوامر في الوقوف بوجه الفساد بحيث يحمل جميعها طابع المسؤولية ... فلا عجب إذاً أن يشيب الإنسان عندما يفكر في مثل هذه المسؤوليات ...
مسألة دقيقة اخرى ينبغي الإلتفات إليها في هذا المجال ، وهي أنّ كثيراً من هذه الآيات تؤكّد ما ورد في السورة السابقة ـ أي سورة يونس.
التأثير المعنوي لهذه السورة : في تفسير البرهان عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «من قرأ هذه السورة اعطي من الأجر والثواب بعدد من صدّق هوداً والأنبياء عليهمالسلام ومن كذّب بهم وكان يوم القيامة في درجة الشهداء وحوسب حساباً يسيراً».
ومن الوضوح بمكان أنّ مجرد التلاوة لا يعطي هذا الأثر ، وإنّما يكون هذا الأثر إذا كانت تلاوة هذه السورة مقرونة بالتفكر والعمل بعدها. وهذا هو الذي يقرّب الإنسان إلى المؤمنين السالفين ويبعده عن الذين أنكروا على الأنبياء وجحدوا دعواتهم.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَنْ تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤)
الاصول الأربعة في دعوة الأنبياء : تبدأ هذه السورة ببيان أهمية الكتاب العزيز المنزل من السماء ، ليلتفت الناس إلى محتوياته أكثر ويتفكروا فيه بنظرة أدق. وذكر الحروف المقطعة (الر) ـ نفسه ـ دليل على أهمية هذا الكتاب السماوي العزيز الذي يتشكل من حروف