قدر سعة وعائه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) في المشهدين (الْعَزِيزُ) القاهر الذي يقهر كل شيء باعتبار الجمع فلا يصل إليه أحد (الْحَكِيمُ) الذي يدبر بحكمته كل شيء ، فيعطيه ما يليق به باعتبار التفصيل.
[١٩ ـ ٢٠] (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠))
(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ) هو هذا التوحيد الذي قرّره بنفسه. فإنّ دينه دين إسلام الوجوه كما قال إبراهيم صلىاللهعليهوسلم : «أسلمت وجهي لله» أي : نفسي وجملتي ، وانخلعت عن أنينتي ، ففنيت فيه. وأمر الله تعالى حبيبه عليه الصلاة والسلام فيما بعد بقوله : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ).
[٢١] (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١))
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) أي : المحجوبين عن الدين (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ) لكونهم محجوبين بدينهم لا يقبلون إلا ما هم عليه من التقيد والتقليد ، والأنبياء دعوهم إلى التوحيد ومنعوهم عن التقيد فقتلوهم (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) من أتباعهم ، إذ العدل ظلّ التوحيد ، فمن لم يكمل له لا يمكنه العدل ، وهم قد حجبوا بتقييدهم بدينهم ، فقد حجبوا بظلمهم عن العدل فخالفوهم وقتلوهم.
[٢٢ ـ ٢٤] (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٥))
(أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) التي عملوها على دين نبيهم ، لأنهم كانوا بتقليد نبيهم ناجين بالمتابعة ، وأنبياؤهم كانوا شفعاءهم بتوسطهم بينهم وبين الله في وصول الفيض إليهم ، فإذا أنكروا النبيين وأتباعهم العادلين فقد خالفوا نبيّهم لأن الأنبياء كلهم على ملّة واحدة في الحقيقة هي ملّة التوحيد ، لا نفرّق بين أحد منهم في كونهم على الحقّ فمن خالف واحدا فقد خالف الكلّ ، وكذا من خالف أهل العدل من أتباع النبيين فقد ظلم ، ومن ظلم فقد خرج