أخصّ صفات الله (وَما يَذَّكَّرُ) أنّ الحكمة أشرف الأشياء وأخصّ الصفات (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) الذين نوّر الله عقولهم بنور الهداية فصفاها عن شوائب الوهم وقشور الرسوم والعادات وهو النفس فجزاء الإنفاق الأول هو الإضعاف ، وجزاء الثاني هو الجنّة الصفاتية المثمرة للإضعاف ، وجزاء الثالث هو الحكمة اللازمة للوجود والموهوب. فانظر كم بينها من التفاوت.
[٢٧٠ ـ ٢٧٣] (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١) لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣))
(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) من أيّ القبول هو ، فيجازيكم بحسبه (وَما لِلظَّالِمِينَ) أي : المنفقين رئاء الناس ، الواضعين الإنفاق في غير موضعه ، أو الناقصين حقوقهم برؤية إنفاقهم أو ضم المنّ والأذى إليه أو بالإنفاق من الخبيث (مِنْ أَنْصارٍ) يحفظونهم من بأس الله (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لبعدها عن الرياء وكونها أقرب إلى الإخلاص (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) إلى الإنفاقات الثلاثة المذكورة المبرّأة عن المنّ والأذى والرياء ورؤية الإنفاق وكونه من الخبيث أي : لا يجب عليك أن تجعلهم مهديين إنما عليك تبليغ الهداية (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) فلم تمنون به على الناس وتؤذونهم (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) فما لكم تستطيلون به على الناس؟ وكيف تراءون فيه؟ (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) ليس لغيركم فيه نصيب ، فلا تنفقوا إلا على أنفسكم في الحقيقة ، لا على غيركم فلا ينقص به شيء منكم ، فما لكم تقصدون الخبيث بالإنفاق منه فثلاثتها مصروفة إلى الأقسام الثلاثة المذكورة من الإنفاق للتحذير عن آفاتها بتصوير غاياتها (لِلْفُقَراءِ) أي : اقصدوا بصدقاتكم الفقراء (الَّذِينَ) أحصرهم المجاهدة (فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) للتجارة والكسب لاشتغالهم بالله واستغراقهم في الأحوال وصرف أوقاتهم في العبادات. (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) عن السؤال والاستغناء عن الناس (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) من صفرة وجوههم ، ونور جباههم ، وهيئة سحناتهم ، أنهم عرفاء فقراء ، أهل الله ،