(وَيَوْمَ
يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) ، وقوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ
يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦)) ، وقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ
السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ) كل ذلك لغفلتهم عن مرور الزمان وكذا مفارق أخا أو مصاحبا
أو شيئا آخر إذا أدرك الوصال بعد طول مدة الفراق كأن تلك المدة حينئذ لم تكن ، إذ
لا يحس بها بعد مضيها وإن قاساها قبل الوصال (فَانْظُرْ إِلى
طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) قيل : طعامه التين والعنب ، وشرابه الخمر واللبن. فالتين
إشارة إلى المدركات الكلية لكونه لبا كله ، وكون الجزئيات فيها بالقوة ، كالحبات
التي في التين ، والعنب إشارة إلى الجزئيات لبقاء اللواحق الماديّة معها في
الإدراك كالثجير والعجم. واللبن إشارة إلى العلم النافع كالشرائع. والخمر إشارة
إلى العشق والإرادة وعلوم المعارف والحقائق. لم يتسنه أي : لم يتغير عما كان في
الأزل بحسب الفطرة مودعا فيك ، فإن العلوم مخزونة في كل نفس بحسب استعدادها ، كما قال
عليهالسلام : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضة». فإن حجبت بالموادّ
وخفيت مدّة بالتقلّب في البرازخ وظلماتها ، لم تبطل ولم تتغير عن حالها. حتى إذا
رفع الحجاب بصفاء القلب ظهرت كما كانت ، ولهذا قال عليهالسلام : «الحكمة ضالّة المؤمن».
(وَانْظُرْ إِلى
حِمارِكَ) أي : بدنك بحاله على الوجه الأول والثاني ، وكيف نخرت
عظامه وبليت على الوجه الثالث (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً
لِلنَّاسِ) أي : ولنجعلك دليلا للناس على البعث ، بعثناك (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ
نُنْشِزُها) أي : نرفعها (ثُمَّ نَكْسُوها
لَحْماً) على كلا الوجهين ظاهر ، فإنه إذا بعث وعلم حاله وتجرّده عن
البدن علم تركيب بدنه برفع العظام وجمعها وكسوتها لحما (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) ذلك البعث والنشور (قالَ أَعْلَمُ أَنَّ
اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌوَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ
تُحْيِ الْمَوْتى) أي : بلغني إلى مقام العيان من مقام العلم الإيقاني. ولهذا
قرر إيمانه بهمزة الاستفهام التقريرية.
ف (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) أي : أو لم تعلم ذلك يقينا؟ ، وأجاب إبراهيم عليهالسلام بقوله : (بَلى وَلكِنْ
لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أي : ليسكن وتحصل طمأنينته بالمعاينة ، فإنّ عين اليقين
إنما يوجب الطمأنينة لا علمه (قالَ فَخُذْ
أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) أي : القوى الأربعة التي تمنعه عن مقام العيان وشهود
الحياة الحقيقية. وقيل : كانت طاوسا وديكا وغرابا وحمامة. وفي رواية بطّة ،
فالطاوس هو العجب ، والديك الشهوة ، والغراب الحرص ، والحمامة حبّ الدنيا لتألفها
وكرها وبرجها. والظاهر أنها بطة فتكون إشارة إلى الشره الغالب عليها (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أي :
__________________